السوشال ميديا كبوابة عبور المواهب.. نحو المسرح والتلفزيون

علاء سرحال
السبت   2023/01/21
راج اسم الكوميدي حسين قاووق، خلال  اليومين الماضيين، بعد المقطع الذي قدمه في قناة "أل بي سي" مع زميله محمد الدايخ بعنوان "تعلم اللغة الشيعية"، وما تبعه من نقاش حول المساس بالطوائف وتنميط البيئات الاجتماعية في لبنان.

وبمعزل عن الجانب السياسي والمذهبي المتشعب في لبنان، فإن قاووق هو واحد من كوميديين كثر برزوا في مواقع التواصل وشقوا طريقهم للتلفزيون، حيث أسهمت الثورة التكنولوجية الرقمية منذ بداية الألفية في تكريس السوشال ميديا كأداة لاستقطاب جماهير جديدة.

هذه الفئة من جمهور المنصات الرقمية، هي جمهور يتبدل مزاجه وتوجهه حسب المادة المقدمة إليه وكيفية معالجتها. فالمعالجة اليوم عبر شبكات التواصل الاجتماعي تختلف عن المعالجة التقليدية القديمة التي كانت لها أدواتها وروادها.

وفي العالم الرقمي المعاصر، توجد أسماء استطاعت أن تعيد صياغة كيفية الاستفادة من منصات التواصل لوضع بصمة تفتح لها الباب للعودة الى المنصة الأم، المسرح، التي لم تسدل الستارة أمام هذه الأنواع الجديدة من الفنون، بعدما ذاع صيت هؤلاء بمقاطع مصورة لا تتعدى الدقيقتين في "إنستغرام" أو "فايسبوك" أو "تيك توك" وغيرها.

ويعترف قاووق أنه عمد مع المخرج محمد الدايخ، للجوء الى منصات السوشال ميديا لجذب جمهور جديد لم يستطيعا استقطابه أثناء بداياتهم المسرحية التي تزامنت مع انتهاء دراستهما الجامعية، حيث كانت التكاليف المادية لأي مسرحية يقومون بتقديمها، على نفقتهم الخاصة، وكان الحضور لا يتعدى فيها العشرات.

قاووق الذي ذاع صيته خلال السنوات الثلاث الماضية، بمقاطعه المصورة التي تنتقد أداء السلطة السياسية وأحزابها بطريقة عفوية، أقر بأن وباء كورونا الذي فرض إغلاقاً عاماً في عموم لبنان بعد ارتفاع عداد المصابين فيه، دفعه للبحث عن بديل عن منصة المسرح التي لم تعد متوافرة بفعل الاغلاق، فكان الفضاء الرقمي مسرحه الجديد الذي شارك فيه متابعيه جميع أعماله التي سرعان ما انتشرت وشكلت مادة مثيرة للجدل بين مؤيد ومعارض لها.

لكن قاووق عاد بعد انحسار وباء كورونا إلى منصته الأولى، المسرح، لتقديم أعماله الفنية الساخرة التي تعبّر عن الواقع، لكن بمشاركة آلاف المشاهدين الذين حضروا الى المسرح لمتابعته هذه المرة.

يحيى جابر: التكنولوجيا في خدمة المسرح 
ولأن أهم ما يميّز المسرح هو أصالته، تمسك المخرج يحيى جابر بالخشبة الذهبية، ولم يلجأ الى الخشبات الرقمية بحثاً عن جمهور أو انتشار، خصوصاً أن الفنون عامة والمسرح من بينها، لا يمكن أن تبلغ مستوى رفيعاً وأن تحمل قيمة إبداعية كبيرة، ما لم تكن أصيلة وغير منقولة، ونابعة من إبداع خاص ومتميّز.

وجابر الذي أطلق أول مسرحيات قاووق (شوو ها)، وكتب وأخرج مسرحية عباس جعفر (هيكالو) التي تُعرض الآن، يرى أن التكنولوجيا يجب أن تكون في خدمة المسرح والفنان وليس العكس، فالتلاقي الحي أو المباشر بين الطرفين لا يمكن تحقيقه الا عبر المسرح، مضيفاً أن حواس الفنان الخمس، وحواس الجمهور الخمس، تضيف للنص وللأداء وتؤكد حيوية الواقع المعروض والخيال المكتوب.

أمل طالب
وبينما كان الناس ينشغلون إرادياً ولا إرادياً في صناعة محتواهم الرقمي داخل أروقة مواقع التواصل، كانت الممثلة أمل طالب تخط مسيرتها عبر مواقع التواصل من خلال لكنتها البعلبكية الشهيرة التي تعكس الخلفية الثقافية والحضارية التي تنتمي اليها.

طالب التي أنهت دراستها الجامعية تعلم جيداً الإرث الفني الذي يمثله المسرح، وأرادت مواكبة العصر ومتطلباته أولاً، فكان المسرح الرقمي مجدداً باحتها التي قدمت فيها أعمالاً تعكس صورة الريف اللبناني، وتحديداً عادات وتقاليد سكان منطقة البقاع. وبـ"العودة الى الجذور" وصفت طالب المرحلة النقبلة من حياتها الفنية، فبعد المنصات الرقمية وشاشة التلفزيون، تستعد لتقديم عمل مسرحي من بطولتها لم تكشف تفاصيله بعد وأحداثه.

عباس جعفر
أما الممثل عباس جعفر الذي لا يخفي فضل بداياته الى التلفزيون، فأكد أن المنصات الرقمية وتطبيقاتها الذكية ساهمت في انتشار أعماله سريعاً وتعرف الناس عليه. وفيما لا يخفي أهميتها، أشار إلى أن النقلة النوعية التي أراد أن تسجل في حياته بعد أعماله السينمائية والتلفزيونية كانت بتقديم عمل مسرحي استطاع من خلاله القيام بجولات خارجية بعد النجاح الكبير الذي حققته داخلياً.

في المحصلة صمدت خشبة المسرح وجمهورها أمام الخشبات والمنصات التي أنتجتها الثورة الرقمية. صمود جعلها تحيي نفسها بشكل مختلف عبر لجوئها الى أدوات مستحدثة، من دون الخروج عن التقاليد التي جعلتها تلمع في الماضي وتعيش مجداً لم تستطع تسطيره أي منصة رقمية حتى اليوم.