"أوكي بوومرز"..أين النسخة العربية من صراع الأجيال؟

يارا نحلة
الإثنين   2023/01/16
من التظاهرات الطلابية في لندن، 2020، لمكافحة التغير المناخي... وما زال الشعار مستمراً (غيتي)
"يا له من جيل كسول"، يقول مدير الشركة الستيني عن موظّفيه الشباب، قبل أن ينادي على مساعِدته لتسعفه في مهّمته المستحيلة؛ طباعة نصّ وتحويله من صيغة "وورد" الى pdf.

وبالرغم من أنه غير مؤهّل للقيام بمهامٍ بسيطة تبدأ بتحرير ملفّ على الحاسوب عوضاً عن الورقة والقلم، وتنتهي بالقدرة على فهم كيف يعمل العالم اليوم، يصرّ هذا الرجل، ومن خلفه جيل كامل، على لعب دور المدير. وبينما هو ورفاقه عاجزون عن استيعاب التحوّلات التي عصفت بعالمنا، سواء في مجال التطور التكنولوجي أو على الصعد الاجتماعية والاقتصادية التي انقلبت بفعلها أساليب العمل والعيش، ينتهج هؤلاء سلوك الطفل المتعنّت الذي يأبى إفلات لعبةٍ ما عادت صالحة وما عادت تناسبه، فيحكم قبضته عليها - أو الأصحّ، على أعناقنا.

"دمَّر الاقتصاد ولامني على الأمر"
ليس صراع الأجيال بالظاهرة المستجدّة، لكن يبدو أنه قد دخل مرحلة جديدةً لم يعد فيها الأمر محصوراً في التفاوض على المبادئ والقيم الاجتماعية، بل اضحى أيضاً صراعاً على الموارد والإمكانات الاقتصادية.

فجيل "الطفرة السكانية" (بومرز)، أي الجيل المولود بين أربعينيات وستينيات القرن الماضي، يحتكر اليوم النسبة الأكبر من القنوات التي تدرّ المال، سواء كانت شركات، أو عقارات، أو حتى مؤسسات الدولة التي تشتغل لحسابهم. هذا ما تقوله الإحصاءات العالميّة. أما في لبنان، فلا أرقام واضحة، باستثناء نسبة الـ51% التي تذهب تلقائياً من قيمة أي مشروع جنوبي. ومع الأخذ في الاعتبار أن غالبية الثروات هي في أيدي مجرمي الحرب وأزلامهم، فليس من المرجّح أن تكون فرص الشباب اللبناني أوفر حظاً.

هذا الصراع الجيليّ واضح في عيون الشباب الغربي غير المنهمك بحروبٍ وأزماتٍ محليّة مستعصية ومؤامراتٍ عالميّة. فلا أنظمة استبدادية يقارعها، ولا عدو خارجياً يرمي على عاتقه وزر بلائه وخيبته. بالنسبة إليه، المشكلة أوسع وأشمل من ذلك، هي مشكلة جيل كامل، جيل أورثنا عالماً على حافّة الاندثار وقال لنا "شوفوا شو بدكن تعملوا!". لكنّه لم يكن جدياَ حتى في قوله هذا، فهو يستفيد اليوم من التطور العلميّ الذي يطيل أمد حياته لكي يبقى ممسكاً بزمام الأمور لأطول فترة ممكنة.

من هذا الوضوح وُلِد شعار أميركي سرعان ما تبنّته الأجيال الشابّة في أنحاء العالم. "أوكي بومر" أضحى عنواناً للمقاومة التي تخوضها الأجيال التي أعقبته (جيل الألفية، وجيل Z وX) ضدّ أفكارٍ ومفاهيم بائدة يفرضها مَن أثبت عدم جدارته بإدارة اجتماع على منصّة "زووم"، فما بالك بقيادة العالم الحديث؟

هو شعار بسيط لا يحمل في طيّاته أي اهانة متأصّلة. لكنّه تحوّل بفعل سياقه الساخر، إلى إهانة الإهانات، وقد يتسبّب بدعاوى قضائية تحت مسمّى "التمييز المبنيّ على العمر". وقد أطلق هذا الشعار حرباً من "الميمز" ما زالت مستمرّة منذ العام 2019، هي حرب من طرف واحد بالطبع كون "البومرز" لا يفهمون ظاهرة الميمز أساساً. وقد انتشرت "ميم" معدّة للسخرية من أي منشور يحمل أفكاراً رجعيّة -عنصريّة، ذكوريّة، قوميّة- تُسبغ على الماضي رومانسية، وتُنكر الواقع. فتأتي الإجابة عليها بالقول: "هذا المنشور "بومر" لدرجة أنه دمّر الإقتصاد ولامني على الأمر".

إلا سلطة الآباء
إن كان شعار "أوكي بومرز" يعبّر عن شيء، فهو التسليم بالصمَم الاختياري الذي تعانيه تلك الفئة العمرية، واليقين بأن لا جدوى مِن مناقشة مَن لا نيّة له في الإصغاء أساساً. قد تبدو هذه المقاربة قاسية أو عديمة الاحترام تجاه من يكبرنا سنّاً، وهو الذي علّمنا أن مخزون الاحترام الخاصّ بالشخص يزداد طردياً مع تقدّمه في السنّ. لكنّ هذا درس آخر من دروس ذلك الجيل التي يُجاب عليها بـ"أوكي".

وقد تتردّد هذه العبارة على ألسنة شبابٍ ومراهقين عرب، شأنها شأن كل الصيحات الافتراضية التي باتت تتّخذ طابعاً كونياً في غضون دقائق من إنطلاقها. لكن المفارقة هي أنها تبقى ضمن حدود الشعار الاحتجاجي، من دون التحوّل الى خطاب سياسي يدعو الى مواجهة فعليّة، أسوةً بنظيرتها الغربيّة. وهذا أمر يمكن احالته بجزءٍ كبير الى عوامل ومحرّمات ثقافية تحظر المسّ بسلطة الآباء. لكن هل لذلك الجيل حقّ المطالبة بالاحترام؟

نُلقي نظرة سريعةً على واقع الشاب/ة اللبناني/ة على سبيل المثال. إن حياته اليوم، ومستوى الرفاه (غير) المتاح لها، هي رهنٌ بأشخاص من الفئة العمريّة نفسها، سواء ربّ العمل، أو مالك البيت، أو "صاحب الموتير"، أو مجمل التّجار وأصحاب المصارف إلخ... إنه جيل راكم الامتيازات والثروات وشقق الإسكان "أيام الـ1500"، قبل أن يُفرغ البلاد من فرص العيش والاستمرار. أما في ظلّ الأزمة المستفحلة ورواج الاستغلال كأسلوب حياةٍ وعمل، يتحوّل هؤلاء إلى مصّاصي جهد ومال، يعتاشون على إستغلال مَن يصغرهم بعقود، ومَن لم تُتح له المشاركة في حفلة الفساد الماجن التي بُنيَ عليها اقتصادنا المحلّي. المأساة الحقيقية هي أنهم يفعلون ذلك بكلّ فخر، على قاعدة "اللبناني الحربوق".