مسلسل "عمر" التركي مقتبس من "شتيسل" الاسرائيلي

أدهم مناصرة
الأحد   2023/01/15
اليهودي في النسخة الاسرائيلية، بات مسلماً في النسخة التركية
 
فتح إطلاق المسلسل التركي "عمر" في التاسع من الشهر الحالي، شهية إسرائيل للتغني بجدوى إنتاجها الدرامي العابر لحدود جغرافية مفروضة من قبل دولة الاحتلال، وكأنّ تصدر المسلسل التركي لمُحرّكات البحث، حتى في أولى حلقاته، مستمد من نجاح "مُلْهمَه" المسلسل الإسرائيلي "شتيسل" مِن قبله، لا الحبكة الدرامية والإنتاجية خاصّته!

وتقول "إسرائيل بالعربية" التابعة للخارجية الإسرائيلية إن النسخة التركية مأخوذة من مسلسل "شتيسل" الإسرائيلي الذي "حظي بشعبية كبيرة، حيث تم بثه في أكثر من 190 دولة في العالم عبر شبكة نتفليكس"، على حد تعبيرها . 

المسلسل الإسرائيلي المذكور يروي قصة عائلة يهودية من المتشددين دينياً تقطن في القدس المحتلة، فيما ابن العائلة "عكيفا" الأعزب يقع في حب امرأة تُدعى "لالي شيفاع" وهي أرملة وأم لولدين، وهو ما يثير معارضة والده المتدين.

أما النسخة التركية فتروي قصة "مماثلة"، بطلُها المؤذن عمر الشاب المسلم من عائلة متدينة يقع في حب أرملة تكبره سناً، ولديها ولدان أيضاً، الأمر الذي يقود إلى صراع مع والده الذي يعمل إماماً.

الدراما وقع دعايتها أكبر من الإعلام 
تدرك إسرائيل أن الإنتاج الدرامي والسينمائي سلاح فعّال للدعاية يفوق في أهميته وجدواه وسيلة الإعلام نفسها، نظراً لقدرتها على كيّ الوعي الجَمْعي للمتلقي من دون إدراك أو مانع، وفي غمرة انسجام المُشاهد مع محتوى الترفيه والتسلية، وهو ما تعتبره دولة الاحتلال وسيلة أكثر قدرة على تطبيع وجود إسرائيل في ذهنية المُشاهد العربي، من حيث لا يدري، لأن المسلسلات تبث رسائل مباشرة وغير مباشرة تظهر الدولة العبرية وكأنها "راسخة في المنطقة"، بل وتتمدد سياسيا ودراميا و"ثقافيا" أيضا!

وقد دل على ذلك ما ذهبت إليه نوريت تينري، رئيسة قسم الثقافة في وزارة الخارجية الإسرائيلية، حينما اعتبرت مسلسل "عمر" التركي دليلاً على "نجاح المحتويات التلفزيونية الإسرائيلية في دول العالم وأن المسلسلات الإسرائيلية دخلت أخيراً الشاشات في العديد من المنازل في دول العالم وقلوب الناس فيها"، على حد زعمها.

وذهبت منشورات إسرائيلية في السوشال ميديا إلى اعتبار مسلسل "شتيسل" وحده الذي سوق نظيره "عمر" التركي، بالرغم من بدء القائمين على النسخة التركية وفريق العمل بالترويج للمسلسل الجديد منذ نهاية ديسمبر الماضي، عبر مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، مرورا بالإعلانات التي تكشف تفاصيل القصة، وكذلك الشخصيات المشاركة في المسلسل، والمشاكل التي تدور حولها.

مع العلم، أنه يتم عرض العمل الدرامي "عمر" يوم الإثنين من كل أسبوع عبر قناة "ستار تيفي" التركية، عند الثامنة مساء بتوقيت تركيا، فيما تُنشر الحلقات عبر القناة الخاصة بالمسلسل على "يوتيوب" في اليوم نفسه، بعد انتهاء عرضه التلفزيوني.

"هوية ثقافية"
ويقول متخصصون بالشأن الإسرائيلي لـ"المدن"، إن إسرائيل باتت تدعم صناعة الدراما من داخلها لتكون موجهة لمتلقين من مختلف أنحاء العالم وتدر أموالاً أكبر مما سبق في السنوات الأخيرة، وذلك للمساهمة أكبر في تضليل الرأي العام العالمي حول عدوانيتها، وتكريس قبولها من العرب كأمر واقع. يُضاف ذلك الى دراما تمت صناعتها في دول غربية لصالح الدعاية الإسرائيلية في السنوات الأخيرة، وبلغات أجنبية متعددة، حيث عملت على رسم صور نمطية خاطئة عن الفلسطينيين وقضيتهم، لكن المتغير اللافت هو أن دولة الاحتلال باتت راغبة أكثر  في أن يكون المحتوى الدرامي الإسرائيلي من قلب فلسطين المحتلة، لتكريسه كـ"هوية ثقافية لإسرائيل".

"شتيسل"..لفك عُزلة الحريديم؟
بتقريب المجهر من المسلسل الإسرائيلي "شتيسل"، فقد عُرض، لأول مرة، قبل عشر سنوات، ثم بدأ التوزيع عبر خدمة البث عبر الإنترنت "نتفليكس" في عام 2018، بواقع 12 حلقة، ثم موسم ثانٍ بعدد الحلقات نفسه، ليعود في موسمه الثالث قبل سنتين بتسع حلقات. وبالطبع، كانت العبرية هي لغة العمل، وبثته على شاشتها قناة "كان" العبرية وأيضاً "الأولى"، إلى جانب "نتفليكس".

وهُنا، يبرز تساؤل: ما الفائدة التي تجنيها إسرائيل من إنتاج مسلسل عن عائلة حريدية يهودية، ثم يصبح مُشاهَدا عالميا؟، ماهي الرسالة؟"

يبدو أن الإجابة يُمكن استنباطها من بين سطور تقرير نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية في آب/أغسطس من عام 2013، حيث وصفت فيه يوهاناتان ايندورسكي، مؤلف المسلسل، بـ"سفير المتدينين في المجتمع الإسرائيلي العلماني".

يوهانتان عاش في بيئة يهودية متزمتة، لكن حدثت تغيرات في شخصيته يبدو أنها قادته إلى التمرد نسبيا عليها، على الأقل كما يدّعي هو نفسه، لكن من دون التبرؤ منها، بدليل أنه يُعرّف نفسه بأنه "حريدي قلباً لا قالباً"، وكأنه يطرح نفسه مصححاً وناصحاً باتجاه بعض البراغماتية في هذا المجتمع المتدين، بالرغم من أنه لم يتجنّد في الجيش الإسرائيلي، أسوة بـ الحريديم الذين يرفضون التجنيد في الجيش لدوافع دينية، وهو ما يدفع "يديعوت أحرنوت" إلى وصفه "بأفضل سفير للحريديم"، بدليل أنه يُطلع العالم أكثر على معتقداتها وعاداتها وتقاليدها!

الواقع، أن مؤلف المسلسل يوهاناتان كان صحافيا في إحدى الأسبوعيات الحريدية، ثم أخذ يبحث عن اتجاهات جديدة، فبرز في السينما والدراما. ولعل هذا ما أتاح له صناعة بروباغندا تهدف إلى فك عزلة هذة الفئة المتشددة عن محيطها الإسرائيلي، وأيضا العالم، محاولاً تسويقها وتطبيعها بوسائل متعددة.