العنف ضد المرأة في السياسة: الكوتا هي الحل؟

فتات عيّاد
السبت   2022/09/03
نساء يشكلن نسبة 80% من مجموعة عاملات في الشأن العام، بينهنّ صحافيات ومرشحات للنيابة 2022، تعرضن للعنف ضد النساء في السياسة، وفق تقرير لـ"مهارات ومدنيات"، في بلد يستجيب نظامه الأبوي "بوحشية" لأي تغيير سياسي قد تحدثه المرأة على المستوى السياسي، الذي خصص تقليدياً للرجال.

وكان لخطاب الكراهية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وعدم التوازن الجندري في التغطية الإعلامية، حيز أساسي، كما العنف كعائق لعمل المرأة السياسي. وتتقاطع هذه الدراسة، مع بحث لمنظمة "وان إيفرا" يوثق غياب المساواة الجندرية في المحتوى الإعلامي اللبناني، ما يطرح تساؤلاً حول علاقة إقصاء الصحافيات في غرف الأخبار، بإقصاء تمثيل النساء في الشأن العام.

كسر العنف

وشاركت في دراسة "مهارات" تحت عنوان "كسر العنف ضد المرأة في السياسة"، عينة مكونة من 15 ناشطة من الجماعات السياسية التقليدية والناشئة، و22 صحافية، و18 مرشحة للانتخابات البرلمانية العام 2022. وبحسب 60% من المشاركات، كان غياب وسائل للإبلاغ عن الشكوى ضد هذا النوع من العنف، سبباً في عدم تبليغهنّ.

وأشارت ليال بهنام، مديرة البرامج في "مهارات"، إلى العلاقة الواضحة بين تعرض النساء للعنف السياسي مع عملهنّ بالشأن العام "ما يجعلنا نتعامل بجدية مع هذا العنف، غير الموثق على نطاق كبير". وتصبح الدراسة بالتالي بمثابة "خريطة طريق" للمجتمع المدني وصانعي السياسات والإعلام.

ومن توصيات الدراسة، ضرورة إنشاء صانعي القرار إطاراً تشريعياً يمنع العنف السياسي ضد النساء، ودعوة المجتمع المدني إلى تشجيع النساء الضحايا على كسر حاجز الصمت، ودعوة وسائل الإعلام لتبني مقاربة أكثر مراعاة عند تغطية حالات العنف ضد المرأة في السياسة.

خطاب الكراهية

إلى ذلك، يشمل العنف السياسي ضد المرأة بحسب الدراسة: التمييز القانوني، والعنف الاقتصادي، الاجتماعي، الجنسي، النفسي، والالكتروني.

والعنف عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تتلاقى فيه فئات عديدة من العنف السياسي، ليبدأ الهجوم على المرأة بالتنميط كعبارة "مكانك المطبخ"، ثم بالذكورية في توصيفها بـ"العاهرة"، ويصل إلى حدّ الحملات التحريضية الممنهجة. ووصلت إحدى هذه الحملات إلى تكفير وهدر دماء الإعلامية ديما صادق، لتحمّل بدورها "حزب الله" مسؤولية أي مكروه تتعرض له.

وبالأرقام، تتعرض النساء عبر مواقع التواصل إلى عنف جنسي بنسبة 6% كتوجيه عبارات ذات طابع جنسي للمرشحة. فيما تتعرض لنسبة 94% لعنف نفسي، كالتنمر، الاساءة، التحيز، التهديد، التخويف الموجه على أساس الجنس او الجندر او التنميط الاجتماعي.

وكسرت ثورة تشرين الأول/أكتوبر، وفق المشاركات، حدود النظام الأبوي على مستوى أدوار المرأة في المجالين العام والخاص، ما رفع نسبة النساء في السياسة، وكانت مواقع التواصل بالنسبة لهنّ أسهل وصولاً من الإعلام التقليدي، ما جعلهنّ يتلقين معدلات أعلى من العنف الالكتروني، شكلت أذى وضغطاً نفسياً لمعظمهن، لكن 17% فقط منهن أغلقن حساباتهنّ، بينما 96% منهنّ أصررن على استمرار نشاطهنّ السياسي.

أما على مستوى التشبيك لإيجاد الحلول، باتت لدى "مهارات" شبكة مباشرة مع شركة "ميتا" مالكة "فايسبوك" و"انستغرام"، بهدف ضبط التعليقات المصنفة كخطاب كراهية بحق العاملات في الشأن العام في لبنان، في خطوة تهدف لتشجيعهنّ تحضيراً للانتخابات البلدية.

ولفتت بهنام إلى حق نقد العاملين في الشأن العام، مميزة إياه عن خطاب التحريض الذي يطاول الصحافيات والعاملات في السياسة، من منطلق كونهنّ نساء.

"زعرنات" و"ذكورية" وغياب خطة وطنية

وللعنف ضد المرأة في السياسة تأثير كبير في عدد المرشحات للنيابة برأي جويل أبو فرحات، رئيسة منظمة "فيفتي فيفتي". فبدلاً من وضع خطة وطنية شاملة لتشجيعهنّ لخوض المعترك السياسي "نرى سياسة إقصاء وعنف، تتسبب بحالات انسحاب للمرأة من الانتخابات تحت ضغط عائلتها أو حزبها، فالعقلية الذكورية والطائفية، تؤخر وصولهنّ، من هنا الحاجة لقانون كوتا يغيّر كل هذه المعتقدات".

بدورها، اعتبرت المرشحة للانتخابات النيابية 2022، جوزفين زغيب، أن كسر الصمت عن العنف السياسي، ضرورة، لتشجيع نساء أخريات لرفع الصوت، لأنه ممنوع أن تسود هذه الثقافة، واصفة "ما نتعرض له بالزعرنات، ويا ليته كان مواجهة سياسية". ولا تحصر العنف عبر السوشال ميديا في الجيوش الالكترونية والحسابات الوهمية للأحزاب، فبرأيها هي انعكاس كذلك لذكورية المجتمع، وغياب الوعي، المتجلي بإعادة نشر معلومات مضللة.

وعن ضعف تمثيل المرأة في الأحزاب التقليدية، علقت زغيب بأن أي حزب يحجّم أي شخص قوي فيه، والمرأة تعمل بضمير ووعي وإنسانية أكثر من الرجل، وتفكر بطريقة أخرى، فيخشى تأثيرها، مفضلاً عدم وصولها، من هنا، لم تُجهز المرأة في هذه الأحزاب لتتبوأ مناصب سياسية عليا.

وثمانية نساء فقط من أصل 128 نائباً، استطعن الوصول للبرلمان، 4 منهنّ عن قوى التغيير، واحتفظت القوى التقليدية بهيمنة ذكورية. وقالت زغيب أن الحل هو بكوتا مرحلية، تعمل على إيصال عدد من النساء الكفوءات، للعمل على تغيير الصورة النمطية، وكسب ثقة الجماهير.

12% حضور المرأة في الإعلام

في السياق، طالبت زغيب المجموعات النسوية والإعلام بـ"أن يقفوا لجانبنا، لأنه إذا استمرّ السكوت عن الظلم بحق النساء، لن تكون لدينا سيدات في السياسة"، علماً أن زغيب، التي تعرضت للترهيب خلال حملتها الانتخابية، لديها عتب على الإعلام "الذي تجمعه مصالح خاصة مع السياسيين، ولا يغطي ما نتعرض له كفاية على مستوى العنف السياسي".

والتمييز الجندري في التغطية الإعلامية، في فترة الانتخابات، كان محطّ دراسة لفريق البحث التابع لبرنامج "النساء في الأخبار-wanIFRA"، الذي حلّل 1614 قطعة إخبارية، لخمسة منافذ إعلامية لبنانية هي "LBCI"و "المنار" و"الجمهورية" و"صوت لبنان" و"النهار". وخلص البحث إلى أنّ دور النساء كخبيرات أو صحافيات يغطين الانتخابات، كان إما منعدماً أو حظي بقدر محدود من الاهتمام، فيما حظيت المرأة بنسبة 12% كنسبة قصوى للتوازن الجندري في المحتوى، مقابل نسبة 20% عالمياً.

وأفادت ميرا عبداالله، المديرة الإقليمية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لبرنامج النساء في الأخبار، أنّ تغييب الخبيرات في السياسة والاقتصاد، يقصي تحليلهنّ للأخبار، وهو عنف سياسي ضد عاملات في الشأن العام، يؤثر في شعبيتهن ومصداقيتهن والثقة فيهن، لصالح الخبراء الرجال.

أما على مستوى الصحافيات، فيمنعهن التغييب عن القرار المتعلق بنقل الأخبار، من الإدلاء بوجهات نظرهن، وتناول المواضيع من زاوية مختلفة عن الرجال. وإذا كانت التغطية متعلقة بالانتخابات، ففي طبيعة الحال ستدعمن إبراز المرشحات أكثر من الصحافيين الرجال، انطلاقاً من اهتماماتهنّ المختلفة، وهنا يكمن الرابط بين تأثير التوازن الجندري في غرف الأخبار، على توازن التغطية الإعلامية لعمل النساء العاملات في الشأن العام.

مدونات سلوك وكوتا جندرية

والتغطية المتوازنة جندرياً في غرف الأخبار، يعمل عليها برنامج "النساء في الأخبار"، عبر دورات تدريبية للصحافيات تؤثر فيهنّ وبمؤسساتهنّ. وشددت عبدلله على مدونات السلوك داخل المؤسسات الإعلامية، لتكريس المساواة والعدالة بين صحافييها وصحافياتها، إضافة لقوانين داخلية تحمي النساء من العنف القائم على النوع الجندري، كالتحرش، ولحظ سياسات تحريرية، تضع كوتا متوازنة لإظهار النساء في الأخبار.

وما يصلح لوسائل الإعلام على صعيد مدونات السلوك والكوتا، يصلح للمجلس النيابي. وهنا، أطلقت "مهارات" نواة لصياغة "مدونة سلوك" برلمانية تبناها عدد من النواب، من بينهم النائبة حليمة قعقور التي اختبرت بدورها العنف السياسي في مجلس النواب.

أما اقتراح قانون الكوتا، فيدعمه تكتل نواب التغيير، وحركة "أمل" و"الحزب الإشتراكي"، بينما أبدى "التيار الوطني" و"القوات اللبنانية" و"تيار العزم" استعدادهم لبحثه، فيما لم يلب "تيار المردة" المؤتمر الأخير الذي نظمته "فيفتي فيفتي" لمناقشته، وكذلك "حزب الله". و"هذا في حد ذاته موقف"، برأي فرحات، التي طلبت من الأحزاب غير الموافقة على الكوتا، "إعطاءنا بديلاً يصلح هذا الخلل في السياسة اللبنانية".