سينتيا زرازير تفجّر أدبيات مجلس النواب

نور الهاشم
الأربعاء   2022/07/27
لن يكون السجال في مجلس النواب بين ممثلي الأمة، في الجلسة التشريعية الأولى لمجلس النواب، آخر السجالات التي لا تحمل أساساً مطلبياً أو سياسياً. فهي تشير بما لا يحمل اللُبس الى أن المجلس بات يقوم على قُطبين، أولهما هو النظام، بما يمثل، ويتقاطع في ملفات سياسية وتقاسمات طوائفية. والثاني هو الطرف العاجز عن أن يكون جزءاً من السيستم من موقع الشريك، فتحول الى ندّية تحمل مواصفات الشعبوية، وتحويل أي سجال غير مُجدٍ الى قضية رأي عام. 
طوال السنوات الثلاثين الماضية، نادراً ما أصدرت المديرية العامة لمجلس النواب بياناً رداً على نائب. قبل اليوم، كان النائب ينظر الى المديرية على أنها خارج اختصاصه، وطرف هو غير معنيّ بالعلاقة معه، إلا في ما يخصّ إجراءات متصلة براتبه ومكتبه وحاجياته الإدارية والشخصية. فصورة النائب الإعلامية، طوال السنوات الماضية، بُنِيَت على أساس الزعامة والتمثيل، وتالياً، فإن أي صراع أو شكوى، ستصغّره أمام جمهوره. توحي بضعفه. لذلك، لم يُخرِج النائب التنافس إعلامياً عن إطار المقارعة السياسية لخصوم له في المجلس، لهم امتداداتهم، مثله، إلى خارجه. 

كسرت النائبة سينتيا زرازير، القاعدة. دخلت في كباش إعلامي مع المديرية العامة لمجلس النواب، حين شكت موقف سيارتها، ما استدعى الرد عليها، على قاعدة أن أحداً من النواب غيرها، من صقور المعارضة وحمائمها، لم يشكُ قضية مشابهة. ذلك إن العُرف القائم، منذ سنوات طوال، يقضي بأن السائق يوصل النائب بسيارته الى باحة البرلمان، ويخرجها الى مواقف مخصصة، ثم يغادر بالطريقة نفسها. 


والشكوى، جزء من التظلّم الذي نشرته زرازير، حول ملف المجلات الإباحية في مكتبها، أو التنمّر على عائلتها. هو ملف بدّل وجهة الصراع من الإطار السياسي، وقاد الرأي العام للتلهي بسلوكيات دخلت في إطار تجاذب وتشكيك وتوضيح، من دون أن يستطيع أحد التثبت من حقيقتها الحاسمة على ضوء الردود. 

ما قالته زرازير، دفع النائب قبلان قبلان للرد، بقوله إنها لم تكن طرفاً في النقاش، وعليها أن تسمي للرأي العام من تعرّض لها. وإزاء ذلك، تكفل مناصرون لـ"حركة أمل" بالتأكيد أنها اشتبهت في الجهة التي ناكفتها، وكان مدار الحوار مع نائبي "جمعية المشاريع"(الأحباش).
 

في الرواية المنقولة عن صحافيين كانوا داخل المجلس، أن النائب طه ناجي، سأل زميله النائب عدنان طرابلس عن اسم النائبة، فردّ أنها "زازير". فاستوضحت منه عما قال، وجرى توضيح المسألة. وحين اشتعل النقاش بين النائبة بولا يعقوبيان والرئيس نبيه بري واتهمته بالتزوير، رد النائب علي خريس، وتلاه النائب قبلان الذي قال بانفعال: "يكفي.. ما حدا منكم يخيفنا.. لا صراصيركم ولا نسوركم"، فتوجهت يعقوبيان الى بري شاكية تنمر أحد اعضاء كتلته على نائبة زميلة، وحصل هرج ومرج، كاستكمال للهرج السابق على خلفية قضية "البطريركي" الذي أغضب بعض النواب المسيحيين، وعالجه النائب سليم الصايغ بإيضاح المصطلح.
 

انشغل الرأي العام بما جرى في المجلس وما تلاه، وأشاحت التغطيات الإعلامية النظر عن جلسة محتدمة، تم خلالها انتخاب أعضاء "المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء" بالتزكية، وإقرار تعديلات على قانون السرّية المصرفية، وتخصيص 10 آلاف مليار ليرة لموظفي القطاع العام. بعض النواب، كما وسائل إعلام، ذهب الى "السبق" و"المثير". لم يُعطِ ملف ضرورة إقرار الموازنة، حيزاً من التغطية، ولم تتوقف وسائل إعلام، إلا قليلاً، عند مداخلات نواب تغييريين مثل ابراهيم منيمنة، أو ملحم خلف، أو ميشال الدويهي، أو نجاة صليبا، على سبيل المثال لا الحصر.. ثمة قضية تظلُّم، يفترض أن تعود عائداتها على مطلقيها، واحتلت الحيّز الأكبر مقارنة بلُقمة مواطنين، ومستقبل مودعين، وقضية شعب، كما يفترض الصواب الإعلامي. 

غير أن هذا الحرف للأنظار، له دلالته السياسية. أعيد تشكيل البرلمان بين قُطبين، منذ جلسة انتخابات اللجان النيابية. قطب النظام، بما يمثل من قوى تتقاطع عند ملفات، ولا تعبث بالتوازنات القائمة.. وقطب مدرك أن تأثيره في المعادلة القائمة، شبه معدوم، ولا يستطيع الشراكة فيها من موقع "الندية"، ولا مواجهتها من موقع التمثيل العددي. لا ملاذ لهذا القطب، إلا الرأي العام ليحفر في ذاكرة جمعية قضية تظلّم شخصية، أو إقصاء مقصود، أو تنمّر استقوائي، أو ذكورية فاقعة... والدور الأخير من الأسهل عليه جذب الأنظار وحيازة نصر. كل ما عدا ذلك، في المعايير السياسية، ترهات.