أبعد من ملف "كاريش".. والمزايدات الداخلية

نور الهاشم
الأحد   2022/06/05
سفينة التنقيب تعبر قناة السويس باتجاه حقل كاريش الاسرائيلي
رسم وصول سفينة التنقيب الى حقل كاريش النفطي في المياه الفلسطينية، معالم جديدة للصراع السياسي الداخلي تعمّقت فيها الانقسامات اللبنانية، ودخلت مرحلة تصفية الحسابات بين القوى الداخلية من باب "إهدار الحقوق"، مرة باتجاه "حزب الله" ورئيس الجمهورية ميشال عون، ومرة أخرى باتجاه خصومهما. 

ولا يكفي  تصريحا رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي، حول خطورة الحدث، لحسم النقاش أو تغيير وجهته. فالملف المنفجر سياسياً منذ ثلاث سنوات، آيل لانفجار من نوع آخر، يبدأ من التلويح بالحرب، تمهيداً لتفعيل الاتصالات الدبلوماسية، رغم استبعاد اشتعال الحرب التي تحتاج الى قرار وطني جامع، هو غير متوفر حتى الآن، ولا يمكن لأي طرف الدخول اليه من دون غطاء من كامل الاطراف، وخصوصاً خصوم "حزب الله".

لا يُخفى أن النقاش حول الخط 29، دخل تجاذبات ومزايدات كثيرة منذ تشرين الاول/اكتوبر 2020. يدرك المعنيون في ملف التفاوض حول الحدود البحرية الجنوبية، أن الخط 29 ليس أكثر من خط تفاوضيّ طرحه الوفد المفاوض للتنازل منه باتجاه تحصيل الحقوق اللبنانية. دعمت الرئاسة اللبنانية هذا المطلب، من دون خطة واضحة للتنازل منه، فتوقفت المفاوضات، قبل أن تُستأنف مرة أخرى، على قاعدة الالتزام باتفاق الاطار الذي أعلنه الرئيس نبيه بري في مطلع اكتوبر 2020. ومنذ ذلك الوقت، دخلت مرحلة المزايدات. 

يدرك خصوم عون أن لا سبيل له لاستئناف المفاوضات من دون ابداء مرونة. أخذوا عليه ذلك عندما "صحّح المسار". وتحول الانتقاد الآن لتصفية الحسابات مع عون أولاً، بالقول إنه تنازل عندما لم يوقع المرسوم المعدل، ما أدى الى خسارة لبنان لثرواته البحرية.. وثانياً، يأخذون على "حزب الله" الصمت، أيضاً في معرض تصفية الحسابات الداخلية، وهو ما ظهر في تغريدات باتت الاكثر تداولاً في لبنان منذ صباح الأحد. 

اليوم، تبدو حجة خصوم الحزب ضعيفة. فالتناقض بين مطالبته بالتحرك، وتحميله مسؤولية اهدار الحقوق بعد معارضتهم لسلاحه، يسخر منها جمهوره. ينظرون الى هذا الامر على أنه مقاربة تتضمن "الشيء ونقيضه"، في حين يستدرج الحزب خصومه الى ملعبه، وهو في هذه الحالة، يتحول كل شيء لصالحه.

فالحزب بدأ بمسار مواجهة خصومه، منذ نحو شهر حين دعاهم الى استراتيجية واضحة لمواجهة التطور الاسرائيلي الأهم. لم يلقَ تجاوباً. لن يتحرك من تلقاء نفسه، منعاً لتحميله مسؤولية تداعيات أي تطور عسكري، اقتصادي أو عسكري، هو عاجز عن حمله بمفرده. ولن يكتفي بتفويض الحكومة والمجلس الاعلى للدفاع، فذلك لن ينهي تحميل الجميع المسؤولية، بالنظر الى ان الحكومة لا يشارك فيها خصومه. وعليه، فإن حصوله على تفويض من خصومه، ضمن أي آلية يُصار الى الاتفاق عليه، يعني حكماً اعترافاً بقوته، ما ينهي مفاعيل أي مطالبة بتسليم سلاحه. وإذا رفضوا، فإن الحقوق ستُهدر، وسيتحمل خصومه كامل المسؤولية. 

وفق هذه المقاربة، يبدو "حزب الله" هو المنتصر في الملف الداخلي. سيحسم هذا الملف الامور الداخلية لصالحه، وستكون خيارات خصومه ضيقة، باستثناء الاتفاق على تحرك للجيش اللبناني، وهو أمر دونه محاذير، ابرزها فقدانه للدعم الدولي في وقت هو الاحوج لهذا الدعم. 

خلافاً لكل ذلك، تنطوي النقاشات حول التحرك لتطويق تداعيات أزمة التنقيب وترسيم الحدود، بمثابة مزايدات لا مفاعيل لها. ستدخل كل القوى اللبنانية في اختبار حفظ الحقوق اللبنانية.