هوكشتاين يسلّف "حزب الله" انتصاراً جديداً؟

نور الهاشم
الأربعاء   2022/06/15
هوكشتاين في مقابلته مع "الحرة"
لا يحتاج "حزب الله" الى أكثر من مقابلة الوسيط الأميركي لمفاوضات ترسيم الحدود البحرية الجنوبية مع اسرائيل، آموس هوكشتاين، على قناة "الحرة"، كي يثبت نظريته، ويطلق حملة سياسية داخلية مضادة ضد الولايات المتحدة. أسدى هوكشتاين، في مقابلته، خدمة كبيرة للحزب الذي شرعت جماهيره بتكرار خطاب الحزب: "أميركا تريد تجويعنا لنهب ثرواتنا". 

مؤشرات عديدة في المقابلة، أشعلت غضب جمهور "حزب الله". إشارته الأولى إلى التنازل، حديثه عن أن معرفة الحق لا تكفي للحصول عليه، إشارته إلى أن الحصول على شيء أفضل من لا شيء في واقع لبنان الحالي، وسخريته من طرح النائب جبران باسيل حول معادلة "قانا مقابل كاريش".

أطاحت تلك التصريحات الأجواء الإيجابية التي أشاعها المسؤولون اللبنانيون إثر الزيارة. بدت المساعي أكثر تعقيداً: لبنان يطلب، وإسرائيل لن تلبي. لبنان يريد وإسرائيل لا تريد!

ثمة مساعٍ للعب على الوقت، مرة بانتظار الرد الاسرائيلي، ومرة أخرى بتوقعات ردود الأفعال الإسرائيلية. تلك المؤشرات، عززت شعور الحزب بأن الوسيط "غير نزيه"، كما عززت قناعة جمهوره بأن الحلول مع اسرائيل لا يمكن أن تكون دبلوماسية، بل تُعالج الملفات معها بالقوة، وهو ما تكرره قيادات "حزب الله" على الدوام، وبات شعاراً يردده جمهوره.

بذلك، أعطى هوكشتاين، نصر الله، موثوقية، حين تحدث مراراً عن أن اسرائيل طامعة في الثروات والولايات المتحدة تؤازرها للحصول عليها وتوفر لها الغطاء.. كما أعطى تصريحات نصر الله مصداقية حول خطة يقول أمين عام الحزب إن واشنطن تنتهجها لتجويع اللبنانيين لقاء تنازلهم عن ثرواتهم، وأنها المسؤولة عن تجويعهم!

والحال إن تصريحات هوكشتاين، التي وجد فيها جمهور الحزب "استعلاءً"، بما يتخطها كونها "واقعية سياسية"، مثلت ضربة قاسية لطرفين، أولهما خصوم الحزب الذين يقولون إن التفاوض والدبلوماسية هي الحل الوحيد للخلافات مع اسرائيل. أما الطرف الثاني فهو السلطة اللبنانية، سواء المتحالفة مع الحزب أو المتعارضة معه التي تمضي في مسار محدد لمنع أي مواجهة مع اسرائيل. صحيح أن ملف الخط 29 تم سحبه من التداول، الى حد بعيد... إلا أن السلوك الإسرائيلي في مواجهة المطالب اللبنانية، يلغي الى حد كبير معارضة خصوم حزب الله له بالتدخل على خط المفاوضات، أو التأثير فيه، كما يلغي تحويل المنطقة المتنازع عليها الى "مزارع شبعا بحرية".

سخر هوكشتاين من مطالب باسيل، وواجه سقف توقعات لبنان. يدرك هوكشتاين أن لبنان المفلس، الغارق في أزماته، سيسد جوعه للكهرباء، بـ"فتافيت" الغاز المصري أو الكهرباء الأردنية.. وسيهبط الى ما دون حقوقه، عندما يلامس الأمر "فتفوتة" متصلة بالمفاوضات مع صندوق النقد. يعني ذلك حكماً أن كل التقديرات حول الحرب، هي مجرد تهويلات لا تُصرف في مكان، لارتباطها بملفات إقليمية تمنع ذلك، ولحسابات لبنانية لا يستطيع حزب الله تخطيها. 

تصريحات الوسيط الأميركي، تمثل إقراراً بأن لبنان ضعيف، وعاجز، وجائع، ولا يستحق أكثر مما يسدّ رمقه. الخلافات بين مسؤوليه، وسوء إدارة الملف أخيراً، والتباينات والاختلافات حول الحقوق اللبنانية، ضعفت موقفه.. وما يزيده ضعفاً، هو نشر تفاصيله والتسريب الإعلامي بغرض المزايدات السياسية والحسابات الضيقة. 

لبنان عاجز. لم يكن اللبنانيون ينتظرون تلميحات هوكشتاين أو الردود الإسرائيلية المتوقعة ليعرفوا ذلك. لكن أحداً لم يتوقع أن يعطي هوكشتاين، حزب الله، هذا المدى من النفوذ والموثوقية. وإذا لم يكن ذلك "سقطة"، فإن ما قاله يعزز الاعتقاد اللبناني بأن الولايات المتحدة تقوي الحزب داخلياً، تمهيداً للتفاوض معه كقوة أساسية تتحكم في مسارات البلد في المستقبل!