نصر الله يكسب الجولة الأولى

نور الهاشم
الجمعة   2022/06/10
عصر 14 تموز 2006، كانت أنظار النازحين من الجنوب، الى منطقة زقاق البلاط في بيروت، تترقب "إطلالة السيد". على مدى يومين، إثر خطف الجنديين الاسرائيليين وإعلان إسرائيل حرباً مفتوحة على لبنان، عاش هؤلاء القلق. الخوف يعتري الكبار الذين اختبروا حروباً سابقة ضد اسرائيل، فيما سكنت وجوه الشباب حالة عدم يقين. أعدّ هؤلاء العدّة للاستماع الى خطاب أمين عام "حزب الله" حسن نصر الله. لم يخرجوا من الشارع كعادتهم. تجمهر الجميع قرب مقهى صغير ليتخذوا قراراً بعده بالنزوح الى سوريا، أو البقاء في بيروت. 

أطل نصر الله يومذاك على الشاشة الصغيرة ليعلن موقفه من مسار الحرب. وقف الشبان "على أعصابهم"، الى حين طلب من اللبنانيين النظر الى البحر: "أنظروا إليها تحترق"! انتشل أحدهم مسدسه عن خصره، وبدأ بإطلاق النار في الهواء فرحاً. وخرج آخرون إلى شوارع مجاورة مطلقين أبواق دراجاتهم النارية. فرّج "السيد" اساريرهم، ونفّس الاحتقان، وحوّل حالة "عدم اليقين" الى معادلة جديدة، رأى البعض فيها "انتصاراً".
 

استعاد نصر الله أدبيات هذا الخطاب، ليل الخميس، إثر إطلاقه تهديداً بضرب السفينة اليونانية في البحر المتوسط. واستعاد جمهوره المشاعر نفسها. مرت سنوات طويلة قبل أن يجد هذا الجمهور نفسه في موقع مغاير، وذلك بعد سبع سنوات من القصف الاسرائيلي لمواقع حلفاء الحزب في سوريا، وبعد 22 ألف طلعة جوية اسرائيلية سجلها مرصد بريطاني فوق لبنان منذ 2006... وبعد انهيار مالي وضع الحزب في موقع المساءلة عن تغطية الفساد. 

منذ السبت الماضي، وهو يوم عبور السفينة قناة السويس إلى حقل كاريش، كانت هناك حالة عدم يقين في صفوف جمهور الحزب الذي التزم الصمت، متلقياً سهام خصومه الذين ساءلوه: "لماذا الاحتفاظ بسلاحه طالما أنه لا يتحرك"؟ واتهموا الحزب بـ"بيع كاريش على مذبح التسويات الإقليمية"!


جاء خطاب نصر الله بمثابة دفع معنوي لجمهوره أولاً، وشحنة عزيمة تنقذهم من حالة الاحباط وضغط المساءلة. انفجر الجمهور في مواقع التواصل بصور وفيديوهات، بينها "من كاريش غاز ما فيش"، و"انظروا اليها تنسحب".. بعض تلك التعليقات، طاول خصوم الحزب الذين اتهموه بالتخاذل. هاجم جمهور الحزب الخصوم متسلحاً بـ"قوة" تواجه الاسرائيليين.. وتعزز موقف هذا الجمهور بصمت الخصوم، إلا في ما ندر، مثل تصريح النائب مروان حمادة الذي رأى أن نصر الله يضع المسدس على طاولة الرؤساء الثلاثة، وتصريح نائب آخر في القوات اللبنانية حذر من مغبة اشتعال حرب. 

والحال أن نصر الله الذي قال قبل سنوات إنه يضع سلاحه في عهدة المجلس الأعلى للدفاع لضرب المنصة الاسرائيلية، يبدو أنه حصل تفويض غير علني من السلطة السياسية في لبنان لإطلاق تهديد مشابه، هي أعجز من إطلاقه ومن تبنيه علناً، في محاولة لتحسين شروطها التفاوضية ضمن استراتيجية "التفاوض بالتهديد عبر وسائل الاعلام". ولا شك أن السلطة التي تشرع سلاح الحزب في بياناتها الوزارية، لن تتردد في كسب عائدات هذا السلاح في مرحلة مشابهة، وتلك طبيعة السياسة اللبنانية التي تعتمد الازدواجية لتكسب على كافة الصعد. 

رفع معنويات جمهوره، وباتت السفينة اليونانية، في لاوعي جمهور الحزب، هي بارجة "ساعر" الاسرائيلية التي ضُربت في 14 تموز 2006. وسجل نقطتين في مرمى السلطة السياسية، أولاهما حصول الحزب على شرعية لسلاحه بوصفه أداة تفاوضية لتحسين شروط المفاوض اللبناني، بصرف النظر عما إذا كان جاهزاً للحرب أم لا.. والثانية أنه ذهب بالتفاوض عبر الإعلام، أبعد من النقاش اللبناني حول الخطين 23 و29. طرح خطاً جديداً ينسف "كاريش" من أصله، بالقول إنه حقل مشترك... وهو خطاب من شأنه أن يعيد الحسابات في المفاوضات المزمعة في الأسابيع المقبلة.