خيبة مارك ضو: النظام يدجّن التغييريين؟

نور الهاشم
الإثنين   2022/05/30
لا يكفي البيان التوضيحي الذي أصدره النائب المنتخب، مارك ضو، حول حادثة حمله على الاكتاف، لتبديد الهواجس من أن يكون الناس انتخبوا نهجاً مستمراً في السلطة على مدى عقود. رفع مقطع الفيديو المتداول وتيرة المخاوف بشكل قياسي، على قاعدة أن التغيير لا يقتصر على الوجوه، بل يجب أن يشمل النهج. 

أثار مقطع الفيديو الذي ظهر فيه مارك ضو محمولاً على الاكتاف، صدمة شريحة واسعة من اللبنانيين كان ينظرون الى النواب التغييريين على أنهم مختلفون بسلوكياتهم عن أركان السلطة.

على الفور عقدت مقارنات بالصورة بين صورة ضو، وصورة النائب والوزير الرحل ميشال المر محمولاً على الاكتاف. الفارق بين الصورتين، أن الاول كان يجلس على أكتاف مريديه، بينما الثاني (ضو) يقف على أكتافهم، وهو ما رأى فيه البعض تطويراً لمشهد "الاستزلام". 

والنواب الجدد، يتحدرون من بيئات متعددة لا تزال فيها مظاهر الفرح متوارثة. برر ضو المشهد بالقول إن أفراد عائلته حملوه احتفالاً به، نافياً أن يكون هناك أي إطلاق نار. لكن البعض وجه اللوم الى ضو، مؤكداً إن ذلك لا يعفيه من مسؤولية التقصير في الطلب منهم بإنزاله، "منعاً لتوريث سلوكيات يرفضها اللبنانيون"، وهم الذين رفضوا مظاهر اطلاق النار وذبح الخراف وغيرها من الموروثات الاجتماعية الاحتفالية التي لا تليق بنواب التغيير. 

والحال إن الهواجس لا تقتصر على سلوكيات شكلية أثير الغبار حولها عندما "سرّبت معلومات" عن مطالب نواب التغيير بأرقام سيارات مميزة، بينها الرقم (17) وهو رقم مخصص لشخصيات حكومية، وإن لم يتمكن المسربون من إثبات ذلك. يتوسع النقاش الى مسافة أبعد متصلة بالعمل السياسي، وما إذا كان النواب سيسيرون في النهج نفسه الذي سار فيه أسلافهم من القوى التقليدية الممثلة في السلطة، أو قوى المعارضة التي واظبت على الحياد السلبي بانتهاج سياسة المعارضة والمقاطعة والورقة البيضاء، من غير أن تعود تلك المعارضة بأي مردود. 

يفترض الناس أن يكون التغييريون مختلفين بالذهنية والسلوك. عقدوا آمالاً كثيرة عليهم، وربما بالغوا في تلك الآمال، فوضعوهم تحت المجهر. اي حركة، اي تصريح، أي سلوك، اي مشهد، سيكون محل محاسبة. لكن الواقع يثبت غير ذلك. فالنائب التغييري هو ابن بيئة اجتماعية، يتشارك معها الكثير من العادات والمفاهيم. وهو ابن نظام يدخله من موقع مختلف، لكنه محكوم بتسويات، ومجبر على الحوار. سيكون جزءاً من مجلس النواب ولجانه، يجتمع في اللجان ويترأس بعضها ويكون مقرراً في بعضها الآخر.. ينتقد، ويبدي رأيه ويصوت، لكنه في النهاية سيكون جزءاً من النظام القائم.

وعليه، فإن التقديرات بأن يكون سلوكهم مشابهاً لسلوك نواب في الدول الاسكندنافية، تنطوي على أوهام بمعزل عن رؤية النائب التغييري وطموحه. يخضع هؤلاء للاختبار الاول. يغيّر نفسه، لكنه غير قادر على تغيير ثقافة اجتماعية متوارثة عبر عقود. وهو في النهاية، سيكون ابن النظام، بنجاحه وانتكاساته. بفرحه وشجونه. 

دخل النواب التغييرون الى قلب النظام. انتقلوا من الشارع الى المؤسسات التي غالباً ما تدجنهم، وهنا مكمن الهواجس والمخاوف، بعدما أثبتت المظاهر الاحتفالية بمارك ضو أن الخيبة ستحضر، لأن الأحلام شيء، والوقائع شيء آخر.