رياض سلامة.. حاكم لبنان الأقوى

قاسم مرواني
السبت   2022/05/28
لم يتعرض رجل سياسي أو مسؤول في لبنان إلى مثل كمّ الهجوم الذي تعرض له حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة. منذ خريف 2019 حتى اليوم، غالبية أحزاب السلطة ألقت باللائمة عليه في تدهور الوضع النقدي والاقتصادي. الأحزاب المعارضة كلها، والمجموعات المدنية والناشطون، حملوه مسؤولية ما يحصل. صدرت في حقه مذكرات جَلب، ودعاوى قضائية في لبنان والخارج، حتى أصبح رياض سلامة بالنسبة لكثيرين بحكم المنتهي، في انتظار لحظة الإجهاز عليه. 

غير أن ما حدث في الفترة الأخيرة يعكس صورة مغايرة تماماً، ويدل على أن الرجل ما زال الحاكم بأمره في النقد والمتحكم في أسعار الصرف.

فبعدما حافظ سلامة على استقرار سعر الصرف قبل الانتخابات النيابية، بدأت الليرة اللبنانية بالانهيار بشكل جنوني، بعد يوم واحد على انتهاء العملية الانتخابية، ووصلت للمرة الأولى إلى 37 ألف ليرة مقابل الدولار الواحد.

وبتعميم واحد من حاكم مصرف لبنان، وفي غضون ساعات قليلة، انخفض سعر الصرف حوالى عشرة آلاف ليرة ليعود إلى 26 ألف ليرة مقابل الدولار الواحد. انخفاض سعر الصرف رأى فيه كثيرون، في مواقع التواصل، أنه عبارة عن شراء للوقت، وإبرة مخدرة قبيل انتخاب رئيس للمجلس النيابي، ولن تلبث آثارها أن تزول سريعاً ويعاود سعر الدولار ارتفاعه.

هذه القدرة لدى رياض سلامة، على التحكم في أسعار الصرف، تعطيه إمكانية التحكم في الشارع اللبناني أيضاً. فارتفاع سعر الصرف، الذي يستتبعه ارتفاع في أسعار السلع، يدفع المواطنين إلى النزول إلى الشارع والتظاهر ضد السلطة، وعليه يصبح أي استحقاق مقبل، سواء انتخابات نيابية أو رئاسية أو تشكيل حكومة، مرهوناً باستقرار سعر الصرف وبالتالي الاستقرار الأمني والاجتماعي.

هذا ما يعطي حاكم مصرف لبنان ورقة ضغط قوية، يعطيها لمن يشاء من السياسيين، بحسب الحاجة والمصلحة. وقد رأينا في محطات سابقة عديدة، كيف تم التلاعب بسعر الصرف بحسب المناسبة، خلال تكليف سعد الحريري تشكيل الحكومة، كان سعر الصرف يرتفع كلما عاد الحريري من قصر بعبدا من دون الحصول على موافقة رئيس الجمهورية على الحكومة المقترحة. بات سعر صرف الليرة اللبنانية ألعوبة في أيدي السياسيين، وعلى رأسهم حاكم مصرف لبنان، يذهب ضحيتها الشعب اللبناني.

تعددت تحليلات اللبنانيين حول أسباب ارتفاع وانخفاض سعر الصرف بهذا الشكل المفاجئ، والذي بحسب كثيرين لا يعكس حقيقة قيمة الدولار، بل هو نتيجة تلاعب في سوق النقد، يقوده حاكم مصرف لبنان والمصارف. كما رأى ناشطون أن رفع سعر الصرف هو للضغط على القضاء كي يتوقف عن ملاحقة سلامة. وفي نظر آخرين، يقوم سلامة بدور السمسار، يرفع سعر الدولار كي يدفع الناس إلى بيعه ثم يعيد خفضه كي يشتريه بسعر رخيص. 

وذهب البعض بتحليلاتهم إلى أن ارتفاع سعر الصرف سببه صرّافون تابعون لـ"حزب الله" و"التيار الوطني الحر"، بالأخص في الضاحية الجنوبية لبيروت، بهدف إحراج حزب "القوات اللبنانية" الذي قال رئيسه سمير جعجع في وقت سابق، أن فوزه في الانتخابات سيؤدي حتماً إلى انخفاض في سعر الصرف، وذهبت النظرية إلى أن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي تدخل لدى رياض سلامة لإعادة الاستقرار إلى سوق الصرف!

والحال إن الانخفاض المفاجئ والكبير في سعر الصرف أدى إلى خسائر فادحة لدى الصرّافين ولدى التجار الذين سارعوا إلى شراء المنتجات على سعر 37 ألف ليرة، إذ كان متوقعاً أن يواصل سعر صرف الدولار ارتفاعه إلى حدود الـ50 ألف ليرة، كما رددت شائعات.