"مافيا النقل" تتوجس من الباصات الفرنسية

رين قزي
الإثنين   2022/05/23
وصول الحافلات الفرنسية الى مرفأ بيروت
باستثناء جمهور "حزب الله" الذي اعتبر استيراد حافلات نقل مشترك من فرنسا، إنجازاً حققه الوزير علي حمية، قلل كثيرون من أهمية هذه الهِبة، لغياب مسارات تنظم حركتها، وتشكيكاً بفحواها، وصولاً الى المخاوف من تعميم هذه التجربة التي ستهدد حكماً فئة كبيرة تستفيد من قطاع النقل وتتحكم فيه على هامشه، وتشبه الى حد كبير قطاع المولدات الكهربائية. 

وأعلن وزير الاشغال والنقل، علي حمية، اليوم، وصول 50 حافلة فرنسية، كهبة لتنشيط قطاع النقل المشترك. وأعطى الهبة معنى سياسياً، بالقول إن تصريف الأعمال "لا يعني مطلقاً الدخول في سبات أو تقاعس عن خدمة اللبنانيين"، وأن المشهد "يدلل على أن لبنان ليس في عزلة أبداً"، مضيفاً: "نحن الأحرص على توطيد صلاته بأصدقائه"، كما تحدث عن أن المساعدة جاءت "في ظلال السيادة". 

انقسم اللبنانيون بين مؤيد، ومشكك في جدوى الهبة. الجانب الاحتفالي، اقتصر على جمهور "حزب الله" الذي رأى في ما تحقق، انجازاً لوزير سماه الحزب من حصته في الحكومة الأخيرة. وجزء آخر، من خصوم الحزب، قلّل من وقعه للخلفية السياسية نفسها.. لكن بينهما، ثمة من بحث في المعلومات وقدّم وقائع، للقول إن ما تحقق "ليس إنجازاً"، بمعزل عن الخلفية السياسية.


يذهب هؤلاء الى فرضية التلوث البيئي، بالنظر الى أن فرنسا تنتقل الى الباصات الكهربائية، بينما تعمل هذه الباصات على المازوت، وقالوا إن باريس تخلت عنها "لهذا السبب". ويذهب آخرون الى غياب قانون لعمل تلك الحافلات، ويتوسع النقاش إلى تنظيم حركتها، وحجمها في الشوارع، وغياب المواقف المخصصة لروادها، وصولاً الى تحديد وجهة اعتمادها داخل العاصمة أو لتسهيل الأماكن البعيدة. ورأى البعض أن هذه الباصات، وفي ظل غياب الصيانة اللازمة، "ربما تذهب الى المواقف، إسوة بما سبقها من حافلات استُقدمت في التسعينيات، ولم تستخدم أكثر من عشر سنوات". 


لكن القطبة المخفية في كل النقاش، تتمثل في مخاوف "مافيات النقل" من أن تقضي حافلات النقل العام على نشاطها الموازي وغالباً غير المشروع. ويعمل في القطاع الآلاف، ويتوزعون بين حافلات نقل الركاب الصغيرة، وحافلات النقل الضخمة بين المدن. هو قطاع غير منظم، ويعاني اللبنانيون من طبيعة عمله. ثمة شروط للعمل فيه، وتتحكم فيه "مافيات" تهيمن على خطوط نقل باتت معروفة داخل العاصمة وفي ضواحيها، وغالباً ما لا يستخدم اللبنانيون من أبناء الطبقة الوسطى، وسائل النقل هذه، بسبب سوء الخدمة والتنظيم، ما دفعهم خلال السنوات الماضية للاعتماد على السيارات الفردية. 

وقطاع النقل المعمول به، بات يشبه الى حد كبير مافيات المولدات الكهربائية. كل خط له رواده، وله مشغلوه. تؤدي محاولات اقتحام الخط من "الغرباء"، الى إشكالات لا تستطيع الدولة ضبطها، فتتعامل معها كأمر واقع. ويفرض هؤلاء تسعيرتهم على الركاب، بمعزل عن قرارات قطاع النقل البري، أو حتى وزارة الأشغال والنقل. 

وظهرت الإشارات على هذا الاعتراض من مالكي الحافلات الذين يمتلكون "صوتاً مسموعاً". صحيح أن الحافلات الخمسين لن تغطي المساحة اللبنانية، لكنها بداية مطلوبة لتنظيم القطاع وإيجاد البدائل. على أن توسعة الخطة، لن تُبقي الاعتراض في مواقع التواصل. ستخلص إلى "كباش" بين وزارة الأشغال ومشغلي القطاع.. منعاً لسحب "مصدر رزق" من لبنانيين اعتادوا على الفوضى.