ليلة القتال في استديو "صار الوقت"

نور الهاشم
الجمعة   2022/05/20
لم تثر حلقة تلفزيونية جدلاً في أوساط اللبنانيين، كما فعلت حلقة "ًصار الوقت" الأخيرة حيث استضاف مارسيل غانم 15 نائباً تغييراً فازوا في الانتخابات الأخيرة، وتعرضوا لأول وأقسى اختبار في مسيرتهم السياسية، ما تسبّب في انقسام الرأي حولهم، وحول ضرورة تلك الحلقة الاحتفالية.

بدت الحلقة محتفلة بالاختراق الكبير للمنظومة التي تقبض على الحياة السياسية منذ 30 عاماً، وحقق غانم بجمعهم "سبقاً صحافياً"، بدا للبعض مفتعلاً، بالنظر إلى أن هؤلاء النواب المشاركين في الحلقة، ليسوا كتلة منسجمة بالكامل، بل يجتمعون على بعض العناوين، ويتنافرون على أخرى، ليس أقلها موضوع "المقاومة"، بوصفه الملف الأكثر اشكالية، والذي يشيح النظر عن وقائع أخرى. 

ولا جدال في أن هذا الملف، يعبر عن زبدة الانقسام اللبناني، ويتلهى به المناصرون الحزبيون والتغييريون، فيما الغالبية المطلقة في البرلمان، "تمتلكها" المصارف التي تحظى بشخصيات مؤيدة/مهادنة لها من كل الكتل، بلا استثناء، تشكل في معظمها غالبية في البرلمان. فيما ظهر أن الكتلة الثانية، من حيث العدد، هي كتلة "الحياد السلبي"، أي المقاطعة والورقة البيضاء.. وهو حق ديموقراطي يمارسه البعض، للقفز فوق الانقسامات السياسية الظاهرة في الإعلام، والتي يُعبّر عنها بالانقسام خول خيارَي 8 و14 آذار... أو السلطة والمجتمع المدني. 


يأخذ البعض على غانم أنه صادر اختلافات ضيوفه في حواره، ومارس قسوة بانتزاع مواقف لم يتناقشوا حولها في ما بينهم، أو لم يستكملوا نقاشهم هذا.. وذهب البعض إلى الدعوة لحرمان غانم من حقه، كمحاور، في طرح أسئلة إشكالية، مُطالبينه بأن يكون أقل حدة، ويراعي تعبهم.. وهو جدال ناقص ومنحاز، لا ضرورة لخوضه، طالما أن النواب تم اختيارهم وفق برامجهم الانتخابية، وطالما أن معظمهم قادم من خلفيات حقوقية وقانونية وبحثية، ومن ساحات الثورة. 

فالنواب المنتخبون، ليسوا هواة في السياسة كي يُناشَد غانم التعامل معهم كناشطين.. ولا هم يمتلكون ترف التحايل على عناوين الحراك، أو على برامجهم الانتخابية، والوقوف في موقع رمادي.. كما ليس في وسعهم الانقضاض على ثقة ناخبيهم تجاه عناوين محقة.. قد يكون الانتقاد لغانم مُحقاً في موقع آخر، لكن الأكيد ليس بمصادرة حقه بل واجبه كإعلامي بطرح الأسئلة والتيقن من المواقف.
 

ويأخذ ناشطون وإعلاميون على غانم الأجواء الاحتفالية لحلقته التي أوحت بأن قناة "أم تي في" تقف وراء فوز هؤلاء في الانتخابات (وهذا يظلم كفاءة العديد من النواب الجدد)، وصولاً الى تقديم عرض من قناة "أم تي في" لوضع مكاتب ومستشارين في تصريفهم. فهل باتت القناة حزباً سياسياً، أو تجمّعاً لنواب تغييريين؟ لم يُسمع منهم اعتراض، أو شُكر مع رفض، إذا هذا العرض، من منطلق أن لهم مكاتب فعلاً في مقر مجلس النواب، وأن القبول بعرض مشابه يعني مصادرة حقهم في رفض قوانين قد لا تنسجم مع تطلعات "أم تي في"، مثلاً. كما تناقض هذه المهمة، في حال أخذها على محمل حسن، المهمة الإعلامية لأي قناة تلفزيونية، إذ يمكن أن تفتح هواءها لأصواتهم، وتأخذ اقتراحاتهم على محمل الجد، وتدعمهم بإيصال خطابهم، لا بتخصيص مستشارين لهم، وإلا أصبحت ورئيس مجلس إدارتها منتحلة صفة "النائب غير المنتخب".

على أن "الظلم" في المشهد الاحتفالي، ينطلق من أن بعض هؤلاء الفائزين لم يظهر على القناة في فترة ما قبل الانتخابات، وصارع آخرون من التغييريين المنافسين للظهور على قنوات تلفزيونية (ليست "أم تي في" وحدها) أو "السوشيال ميديا" من دون أن يتمكنوا من ذلك. فمَن شاهد الياس جرادة، مثلاً، على شاشة تلفزيونية؟ أو شاهد فراس حمدان قبل تزوير صورة له في مواقع التواصل يرتدي فيها ثياب ضابط إسرائيلي؟ وينسحب الأمر على كثيرين، بينهم ياسين ياسين وغيره.. وهي واحدة من "بيزنس" الشاشات الذي ذهبت اليه في فترة التحضير للانتخابات. 

من حق غانم أن يطرح أي سؤال بلا قفازات.. ومن واجب النواب الإجابة على تلك الأسئلة والإدلاء بمواقف واضحة، وهو ما لم يظهر، في انتظار ثلاثة استحقاقات: أولها، انتخابات رئاسة مجلس النواب، التي يُتوقع أن يختار معظم الصوت التغييري فيها الورقة البيضاء. وثانيها، تسمية رئيس جديد للحكومة، ستظهر التناقضات بين الخيارات. وثالثها، استحقاق التصويت على "الكابيتال كونترول"... وهنا سيكون مربط الفرس.