الحريري العائد على حصان أبيض

نور الهاشم
الإثنين   2022/05/16
لا يعبر نزول أنصار الرئيس سعد الحريري الى حوض للسباحة في منطقة الطريق الجديدة في بيروت، عن "هزل" اختاره الشبان في لحظة سياسية حاسمة، يتصارع فيها طرفان هما "حزب الله" و"القوات اللبنانية" بعضلاتهما الانتخابية، خارج أي مؤازرة سنية. 
فالتعبير هنا عن السأم من "إقصاء" الحريري عن الاستحقاق، على صعيدي الدعم السياسي والمالي، والتخلي عنه من قبل حلفائه في ثلاث لحظات مصيرية، في العام 2017 وفي انتفاضة 17 تشرين، ولدى تكليفه بتشكيل الحكومة في العام 2020، يتخذ تلك الصورة الساخرة التي لا تفك رموزها بالضحك، ولا سياقاتها بالاستهتار، ولا يمكن النظر اليها إلا من زاوية أوسع، تكرس الحريري الابن زعيماً مرة أخرى، في حال فاز "حزب الله" وحلفاؤه بأكثرية نيابية. 
تمتلك قاعدة الحريري الشعبية من عناصر "الجدّ" و"الهزل"، ما يكفي لتغيير معادلات.. ويمتلك رئيس الحكومة السابق، والمرشح الدائم لرئاسة الحكومة، من عناصر القوة، ما يكفي لاثبات وجوده. يضحك الحريري الآن في سرّه، بألم، لما وصل اليه التشظي في الطائفة.. ويراقب، بتمعّن، أرقام المشاركة السنية في الاقتراع الحالي، في عرسال وطرابلس وعكار والبقاع الغربي وزحلة واقليم الخروب.. وينظر باهتمام الى طوابير الناخبين الشيعة في أقلام دائرة بيروت الثانية، تلك التي لم تشهد اقبالاً في السابق بهذا الزخم وهذا الحشد، ولم يكن لتشهده لولا كان الحريري موجوداً في الاستحقاق، مشاركاً في حياكة تفاصيله. 

خلال السنوات الماضية، أيقن "الثنائي الشيعي" أهمية وجود الحريري في السلطة. البراغماتي، لا الحالم. الواقعي، لا المتوهّم. الوسطي لا المواجه. لم يعمل الثنائي، قطّ، على كسره. الحريري القويّ، هو ضرورة.. راعاه الى أقصى الحدود.. وحين حانت لحظة الانسحاب، دفع بجمهور عريض الى صناديق المرفأ والباشورة والبسطة وزقاق البلاط. لن يسمح لخصومه بملئ الشغور. شغل مكان الحريري، مؤقتاً، هو همّ دائم. يحجزه له ريثما يقرر الاصيل العودة على حصان أبيض. 

لن يتأخر الحريري في العودة. لن يقرر بنفسه موعد "ردّة الإجر". سيتم استدعاؤه، بشروطه، لاستعادة موقعه والاحاطة بجماهيره، ومن ضمنهم من التزموا بيوتهم في بيروت، وانشغلوا بالاستحمام في حوض صغير يصلح للأطفال، أو اختاروا مصايف عاليه وبحمدون موقعاً لتناول غداء في يوم يُصلح لاجازة عائلية. 

وأظهرت نسبة تراجع الاقبال على صناديق الاقتراع، أن المقاطعة قرار، لم تلغه الدعوات للاقتراع في خطب الجمعة، أو بالتخويف من "حزب الله". أثبتت الانتخابات الأخيرة واقعين، أولهما أن اللبناني لا ينتخب لمعيشته، ولا يقرأ برنامجاً انتخابياً، ولا يثأر، كما افترض كثيرون، في صناديق الاقتراع. كما أثبتت أن التحشيد خارج الولاء السياسي، هو أضعف من أن يحفّز ناخباً على الاقتراع. يثأر لزعيمه، وليس لمصيره.. ولا يخيفه المستقبل، طالما أن زعيمه خارج السلطة. يحتمي به، عندما يكون في السلطة، ويحامي عنه، عندما يكون خارجها. 

من شأن المقاطعة السنية أن تثير حسد خصوم الحريري له. له جمهور وفيّ يلاعب الظروف، وساخر في مواجهتها. وليس قليلاً أن يعود الحريري على حصان أبيض، عندما يحين موعد العودة، ليخاطب خصومه بمقولة: "أنا الزعيم".