رفيق الحريري في عيد الحب

قاسم مرواني
الإثنين   2022/02/14
أمام ضريح رفيق الحريري في الذكرى الـ17 لاغتياله (علي علوش)
أذكر 14 شباط قبل العام 2005. كان له معنى واحد فقط: عيد الحب. بعد ذلك العام، أصبح لـ14 شباط دلالة أخرى، اغتيال رفيق الحريري. المناسبتان على طرفي نقيض. لم يكن المرء يعلم إن كان عليه أن يحتفل، في هذا اليوم، أم يحزن. بالنسبة للبعض، 14 شباط مناسبة للفرح في كل الأحوال، فحتى ذكرى الاغتيال هي ذكرى "سعيدة" بالنسبة إليه.

كان يحلو لنا في كثير من الأحيان أن نتمنى الاحتفال بعيد الحب في الداون تاون. امتلك الإسم، حين سمعناه للمرة الأولى، رنة سحرية، مودرن، كلاس، أقله بالنسبة لنا نحن أبناء القرى القادمين إلى المدينة حديثاً، ولم نكن قد دخلنا وقتها زواريب السياسة وسوليدير وما فعله رفيق الحريري لبناء الوسط التجاري.

خلال الأعوام التالية، عادت معارضتنا لسياسة رفيق الحريري لتسترجع لـ14 شباط عيد الحب، بدلاً من ذكرى الاغتيال. أردنا ببساطة أن يكون 14 شباط عيد الحب، وألا يعنينا سواه. أما جذور معارضتنا تلك؟ بالنسبة لنا، سكان الضواحي، الذين عشنا في غرف رطبة على سطوح المباني، محاولين أن نجد لنا موطئ قدم في المدينة، وخلال رحلتنا، من غرفنا الضيقة إلى عالم وسط المدينة الواسع، كنا نشمّ في الطرق رائحة المياه الآسنة التي ملأت أحياءنا الفقيرة. كنا نقف على أبواب الداون تاون، من دون أن نكون قادرين على دخولها، ليس جسدياً طبعاً، بل نفسياً. كنا نقف هناك بأحذيتنا الموحلة والأشواك العالقة في أطراف سراويلنا، ننظر إلى وسط المدينة نظرة رجل لامرأة جذابة صعبة المنال.

لا يمكن أن نتحدث عن 14 شباط من دون أن نتحدث عن رفيق الحريري. لا يمكن أن نتحدث عن رفيق الحريري من دون أن نتحدث عن سوليدير. جلسنا خلال سنوات عديدة، مع اليسار ومع حاقدين على الحريرية السياسية، الشمّاعة التي عُلّقت عليها كل مصائب البلد. تحدثنا عن سوليدير. عن الشقق التي تم شراؤها بأبخس الأسعار من أصحابها لإنشاء مشروع يدر ملايين الدولارات. عن الفقراء الذين تشردوا بسببه، عن المال العام المهدور، الصفقات. وبالطبع، أهم من ذلك كله، عن السياح العرب الذين جعلونا ننظر إلى سوليدير على أنها منطقة غريبة لا ننتمي إليها ولا تنتمي إلينا، بل لهم، بُنيت لأجلهم، ليس فقط بسبب أسعار الشقق الباهظة وسلع الماركات العالمية والمطاعم الغالية، بل بسبب نوعية الحياة وثقافتها هناك، والتي لا تمت إلينا بصِلة، نحن سكان القرى وضواحي المدن. هل تمنينا مقارعة الحريرية السياسية؟ نعم. هل تمنينا وسط مدينة آخر، يشملنا؟ بالطبع فعلنا. هل تمنينا موت الحريري؟ بالطبع لا.

كان هناك زمن، أصبح الآن بعيد جداً، كانت الدوان تاون فيه تنبض بالحياة في 14 شباط. العشاق يملأون الشوارع، الناس، المقاهي الممتلئة، المحال التجارية المرتبة، حفلات الفنانين. حتى الأغاني كانت مختلفة، إليسا، وائل كفوري، راغب علامة، جورج وسوف وغيرهم. وأصبحنا اليوم في زمن رداءة كل شيء، إلى درجة لا تحتمل. بالأمس، في وسط بيروت، كانت الشمس مشرقة، لكن الشوارع شبه خالية، محال تجارية مغلقة، غبار يغطي زجاج الواجهات التي تحطم بعضها، نفايات وعبوات بلاستيكية مرمية على أرصفتها. ثم، في الطريق إلى عين المريسة، عند فندق السان جورج، تحولت الجملة في لافتة "أوقفوا سوليدير" إلى "تم إيقاف سوليدير". نعم بعد 17 عاماً على اغتيال رفيق الحريري، تم تدمير سوليدير، لكن بأي ثمن؟ وما الأفضل الذي ظَهَر؟

مشكلتنا، نحن سكان الأرياف والضواحي، الفقراء، اليسار، معارضي الحريرية السياسية، كل هؤلاء،.. مشكلتنا أننا نظرنا إلى وسط المدينة ولم نطالب بأن تكون مناطقنا شبيهة به. بل على العكس تماماً، رحنا نطالب بأن تتحول سوليدير إلى حي سلم أو الأوزاعي أو برج حمود أخرى. كنا نحطم واجهاتها ومحالها التجارية كلما تظاهرنا هناك، نتمرد على محلاتها التجارية العالمية عبر إنشاء أسواق رخيصة للفقراء في شوارعها.

حتى لو لم نعترف بذلك، فإن 14 شباط بالنسبة لنا، كلبنانيين، يرتبط باغتيال الحريري أكثر مما يرتبط بعيد الحب. الاغتيال، بداية انهيار الحريرية السياسية، ومعها بداية القضاء على كل ما تمثله، من سوليدير، إلى علاقاتنا مع الدول العربية ونظامنا الاقتصادي وغيره. وحتى لو لم يعجبنا الأمر، فعلينا الاعتراف أن لتلك المرحلة زمنها، بإيجابياته ورونقه، كما بسلبياته... وأن ما نعيشه اليوم يتجاوز السلبيات إلى الحضيض.