إيران ولاية الفقيه تخشى سقوط العمامة

راغب ملي
السبت   2022/11/05
منذ بداية الاحتجاجات الإيرانية في أيلول/سبتمبر الماضي، كان شعار "امرأة، حرية، حياة" حاضراً للتعبير عن المحتجين الغاضبين إثر وفاة الشابة مهسا أميني (22 عاماً) بعد اعتقالها على يد شرطة الأخلاق بتهمة ارتداء الحجاب بشكل فضفاض، لكن شعاراً جديداً بدأ يطغى على مواقع التواصل مع مقاطع الفيديو التي تظهر تعرّض رجال دين إيرانيين للاستهزاء من شبان وشابات إيرانيات، في الشوارع.

يصرخ الإيرانيون اليوم "العمامة عفا عليها الزمن" (#عمامة_ پرانی بالفارسية) فيما تدخل الاحتجاجات المُناهضة لنظام الملالي أسبوعها الثامن. وفي بلد تحكمه عمامات رجال الدين المتشديين منذ 40 عاماً، تبرز الآن بكثرة مقاطع الفيديو في مواقع التواصل، حيث يظهر رجال دين يمشون في الشوارع ومن ثم يقوم شاب أو فتاة أو حتى طفل بإسقاط عمامته أرضاً، وهذا لافت باعتبار أن تحدي رجال الدين يعتبر جريمة خطيرة في البلاد.

والحال أن الانتفاضة على العمامة وتعمّد الناشطين المُحتجين نشرها والترويج لها بكثافة، لا يرتبط بالبُعد الشخصي أو العقائدي لرجل الدين المُستهدف، بل ينظر المواطنون الإيرانيون المُحتجون الآن إلى رجال الدين على أنهم رجال سلطة، وأن العمامة التي يضربونها بأيديهم ويسقطونها على الأرض تُمثّل رمزاً للنظام الحاكم الذين يطمحون لإسقاطه، وهو النظام السياسي المسؤول عن الأوضاع السياسية والاجتماعية المُزرية، والقمع والجوع الذي يعانيه الشعب الإيراني، رغم رفع النظام هذا شعارات نُصرة المستضعفين في العالم، بغطاء ديني، إثر الثورة الإسلامية التي أوصلت رجال الدين المتشديين إلى السلطة العام 1979.


ومن الواضح أنّ الشباب الإيراني يتعمّد تصوير ونشر المقاطع التي تظهر الاستهزاء برجال الدين، من أجل كسر حاجز الخوف والقدسية التي خلقها النظام حول رجال الدين.

وخلال مقابلة مع "راديو أوروبا الحرة" الأميركي، الذي يركز على الشؤون الإيرانية، قال رجل الدين المعارض أبو الفضل نجفي طهراني، المقيم في طهران، في آب/أغسطس الماضي، أن الأداء السيئ للمؤسسة الدينية الإيرانية وتدخلها في الحياة اليومية للإيرانيين وفشل رجال الدين في الاستجابة للاحتجاجات الحديثة، أسباب للفجوة بين رجال الدين والشعب الذي اتسع منذ الثورة وإنشاء الجمهورية الإسلامية.

وذكر نجفي طهراني أيضاً أنّه في السنوات الأخيرة "شهدنا كراهية الناس وغضبهم تجاه رجال الدين بشكل خاص الذين يتبعون سياسات الدولة"، مضيفاً أن الغضب أدى إلى اعتداءات على رجال الدين الذين يفرضون "أسلوب حياتهم الرجعي على الآخرين".

ومنذ بدء الاحتجاجات، نشطت الماكينة الاعلامية والشبكة مُتعدّدة الأوجه المرتبطة بالنظام الايراني، لتقديم سردية حول الاحتجاجات المُشتعلة في إيران. وتتألف تلك الماكينة من مؤسسات إعلامية وفضائيات وصحف وإعلاميين وناشطين ومؤثرين، إضافة إلى منظومة الشبكة الرقمية حسابات وصفحات موالية لنظام طهران في مواقع التواصل.


فمن جهة، عملت الماكينة السابقة على الترويج لنظرية الارتباط بالخارج وتنفيذ الأجندات الغربية والعمالة للشيطان الأكبر (الولايات المتحدة)، ومن جهة أخرى ركزت على شيطنة العناصر المُعارضة للنظام الديني، وتقديمهم للرأي العام بصورة المجرمين والقتَلة وبأنّهم يحملون أفكاراً داعشية تحديداً بعد الهجوم الارهابي الذي حصل في شيراز. وتكثفت الجهود بنشر المواد التفاعلية من صور و فيديوهات لضحايا الهجوم الإرهابي وبعض الاعتداءات التي تحصل في الشارع الإيراني، وربط هذه الاعتداءات بالمُحتجين والمعارضين للنظام الديني ورسم هذا الحراك بصورة نشاط لتنظيم "داعش".

وهنا تحديداً، أخفقت الماكينة ووقعت في التناقض لأنّه من الواضح أنّ هدف خروج المُحتجين الى الشارع يُعبّر عن جيل يطمح إلى دولة مدنية علمانية لا تواجُد فيها لأصحاب العمامات في رأس السلطة ولا أي شكل من أشكال الظاهرة الدينية في الحياة العامة وعلى رأسها السياسة، فكيف لهؤلاء المُحتجين أن يكونوا داعشيين وهم يطالبون بالعلمانية وفصل الدين عن الدولة والسياسة؟!

ويكتمل المشهد الدعائي بنشر فيديوهات ترويجية ودعائية لأصحاب العمائم وتقديمهم بصورةٍ ملائكية في مشاهد تُظهر زُهدهم وتفانيهم لخدمة الشعب الإيراني. ولا يعتبر ذلك عبثياً بالطبع نظراً لحَملة الشباب الإيراني لإسقاط العمائم وتصويرها بتحدٍّ وشجاعة.

ويقول النظام الإيراني عبر جهوده الدعائية مجتمعة، أنه لن يسمح بسقوط العمامة لا في الشارع الواقعي ولا في العالم الافتراضي. لأن العمود الفقري للنظام يتمثل في قدسية رجال الدين وعمائهم. بداية من العمامة الأولى على رأس النظام، والتي تعرف بعمامة الولي الفقيه، وصولاً إلى كافة أنحاء المجتمع الايراني عبر رجال الدين المُنتشرين في كل مكان.