"مسبار" ومونديال قطر.. تحدي تصحيح اضطراب المعلومات

صفاء عيّاد
الخميس   2022/11/17
وصول المنتخب الارجنتيني الى مطار الدوحة للمشاركة في مونديال قطر (غيتي)
في ملتقى "خبز ونت"، يتشارك معظم ممثلي المواقع العربية المعنية بمكافحة الأخبار الكاذبة، الهواجس نفسها: ضعف التمويل، وتحدّي الوصول الى المعلومات.

يغيب التخصص بحسب الموقع الجغرافي في تلك المنصات. هي ملاحظة أولية يرصدها المستمع الى تجارب وتحديات شاملة. لكن هذا الإعتقاد سرعان ما يتلاشى. فإذا كان الخبر المنشور باللغة العربية، عابراً للجغرافيا، وقادراً على إختراق الحدود والقواعد الثقافية والإجتماعية للمتلقين، فإن مكافحته لن تكون مهمة وطنية، بقدر ما هي مهمة عالمية، تتخصص بحسب لغة المتخاطبين.

على هامش الندوة التي حملت عنوان "مكافحة المعلومات المضلّلة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا" ضمن مؤتمر "خبز ونت" الذي عقدته منظمة "سميكس" في بيروت، يعبّر أكاديميون وخبراء عن تحفظهم على مصطلح "الأخبار الزائفة" أو "الكاذبة" أو "المضللة". فشيوع تلك المصطلحات، عائد الى خلفية سياسية استخدمها الرئيس الاميركي دونالد ترامب. يفضلون مصطلح "إضطراب المعلومات". فالخبر الزائف، حسب هؤلاء، له سياقه النفسي والإجتماعي والسياسي، وهو، ليس زائفاً عند بعض المعتقدين، الذين يحتاجون الى المنصات، حكماً، لتصويب الإعتقادات والمعلومات وتثبيته خبراً زائفاً، في مقابل الخبر الدقيق.

تتصدر المواضيع، بحسب الفترات الزمينة. في زمن "كورونا"، كانت الاخبار الزائفة محط الجهود بالكامل. أما الآن، فإن المعلومات الزائفة المرتبطة بمونديال قطر، باتت مهمة عدد من المنصات المتخصصة في مكافحة الاخبار الزائفة، وفي مقدمتها "مسبار". 

"مسبار" ومونديال قطر
لاقت الأخبار المضللة حول كأس العالم قطر 2022، رواجاً كبيراً في وسائل الإعلام ووسائل التواصل، إذ تركزت الأخبار الزائفة على إستضافة قطر للمونديال، وعلى مشاركات المنتخبات وأخبار اللاعبين المختلفة. 

وضمن جهوده المستمرة منذ العام 2020، لمكافحة الأخبار المضللة في المنطقة العربية، يعمل "مسبار"، وهو موقع لفحص الحقيقة وكشف الكذب في الفضاء العمومي، حيث يتم رصد الأخبار المضللة المتعلقة بالحدث الرياضي، وكشف حقيقتها. ويقول أنس ناصيف، وهو محرر أول في "مسبار"، لـ"المدن"، إن المنصة أنشأت ضمن فريقه وحدة رصد لتتبع أخبار المونديال وتفنيدها. 


ووفقًا لناصيف فإن أبرز التحديات التي تواجه عمل "مسبار"، هي كيفية إستخدام وتطوير أدوات تعتمد على الذكاء الإصطناعي، والتي تساعد في محاربة الأخبار الكاذبة والمساهمة في الحد من سرعة إنتشارها. ويدحض ناصيف فكرة تلاشي منصات الأخبار المضللة بالقول: "طالما أن هناك أخباراً تُنشر في وسائل الإعلام وفي منصات التواصل الإجتماعي، ستكون هناك أخبار زائفة يتم رصدها من "مسبار" وغيرها من المنصات، وأصبح من الضرورة تواجد وحدات رصد داخل المؤسسات الإعلامية". ويلفت ناصيف، إلى أن الخطاب الإعلامي الإنتقائي والإثارة "هو شكل من أشكال التضليل الذي تعتمده بعض وسائل إعلام غربية وعربية".

المنصة التي تعتمد على شبكة مراسلين ومدققين في العديد من البلدان كالأردن، وتركيا، وتونس، ومصر والدوحة وإسبانيا، وغيرها، تواجه تحدياً أكبر هو بصعوبة الوصول إلى  مصادر المعلومات، لا سيما في الدول العربية المقيدة للمعلومات، والتي تكون عائقًا أمام العمل الصحافي، وما يجعله عرضة أكبر للوقوع في فخ الأخبار المضللة.

تتميز "مسبار" في تفنيد ورصد الأخبار وجمع الداتا الرقمية ونشرها على الموقع، إذ تنشر قرابة 300 تقرير شهرياً في الموقع، تتضمن تحقيقات في  الإدعاءات المضللة، وهي تكون أكثر الأخبار إنتشارًا أو مشاركة في وسائل التواصل الإجتماعي. كما ترصد الأخبار التي ليست ذائعة الصيت. ويقول ناصيف إن النسخة العربية من المنصة نشرت منذ إنطلاقتها في العام 2020 حوالى 9 آلاف تقرير، الى جانب 4 آلاف تقرير في النسخة الإنكليزية. كما تعرض المنصة مؤشراً لصدقية وسائل الإعلام، وذلك في تحليل مصادر الأخبار، ويعمل "مسبار" على تصنيف المواقع بحسب درجة صدقيتها التي تتحدد وفق معايير شفافة، وتتمثل في إحصاء عدد الأخبار الزائفة التي تنشرها تلك المواقع خلال فترة زمنية محددة ترصدها وتحقق فيها المنصة. 


منصة "شيّك"
ملتقى "خبز ونت"، كان مساحة تشبيكية للمنصات العربية المتخصصة في الأخبار المضللة، والتي من الممكن وصفها بالـ"ترند" الإعلامي الذي تتسابق الدول أو المنصات العربية على مواكبته. يتشابه عمل المنصات المضللة للمعلومات، وكأنها منصة واحدة ذات فروع منتشرة في العالم العربي.

وعلى الرغم من أن هذه المنصات ناطقة باللغة العربية إلا أن تعدد اللهجات العربية، يمثل عائقًا أمام عمل المدققين، خصوصًا في المنصات المعتمدة على فريق عمل صغير من المتطوعين أو المحصور عملها في بلد معين، ومن ضمن هذه اللهجات هي رصد الأخبار الجزائرية والمغربية.  

وطورت منصّة "شيّك" نفسها بعدما بدأت كصفحة في "فايسبوك" العام 2020، وأصبحت منصة متاحة بشكل رسمي للجمهور في العام 2021. ويقول الصحافي ومؤسس منصة "شيك" موسى أبو قاعود إنه "لا يمكن القول إن فكرة منصات التحقق من المعلومات هي  ترند، لأن عمل المنصات فقير من ناحية الأبحاث والدراسات العلمية في مجال الإعلامي الذي يساعد على فهم تطور المعلومات في لبنان والعالم العربي". 
منصة "الفاحص" العراقية
بدوره يعتبر الصحافي العراقي محمد عبدالله، المشرف على منصة "الفاحص" العراقية، أن كم النشر الهائل للأخبار أو المعلومات يقع ضحيته في الدرجة الأولى الصحافيون، فالسبق الصحافي والتنافس بين المؤسسات الإعلامية يدفعان بالصحافيين الى الوقوع في فخ الأخبار المضللة. ويقول عبدالله، إن المنصة تدقق في أكثر من 500 خبر مضلل في العراق شهرياً، لافتاً الى أن الأخبار والحرب الإعلامية يخوضها أناس منظمون أو تابعون لأحزاب أو شخصيات سياسية أو ما يُسمى "بالذباب الإلكتروني" الذي ينشط في الإستحقاقات الإنتخابية أو في الصراعات الدولية. 

منصة "بيم ريبورتس" السودانية
يزعم كُثر بأن هذه المنصات هي محض عمل إعلامي أو لمتخصصين في المجال الإعلامي، لكن التجارب العربية في هذا المجال، تدفع العاملين في مجال هندسة الإتصالات والتكنولوجيا للإهتمام بهذه المنصات. وهذا ما تمثله منصة "بيم ريبورتس" السودانية.

إذ يلفت مهندس الإتصالات  والباحث الرئيسي في المنصة، خطاب حامد، الى أن هناك تقاطعاً بين الإتصالات والتكنولوجيا والإهتمام بالسياسات أو الحقوق الرقمية. فالحاجة إلى هذه المنصات منبعها عدم الدراية الكافية وتناقل الأخبار التي تصب في مصلحة التقاطعات السياسية، وكأنها لعبة بين الفاعلين والمتلقين. 

منصة "أنير" الليبية
الإنتشار الواسع لهذا المنصات تدفع بالتساؤل عن إستمرايتها على المدى الطويل أم هي رهن توقف التمويل والبحث عن ترند آخر؟ وهو ما ينفيه مسؤول تدقيق الحقائق في منصة "أنير" الليبية أمجد خرواط، قائلاً إن ظاهرة انتشار الأخبار الزائفة، عالمية، وجاءت نتيجة سهولة الوصول إلى المعلومات. ويشير الى ان أهمية تواجد هذه المنصات ليست محصورة في المجال الإعلامي الليبي أو العربي، بل هو إنخراط الأخبار في الحياة اليومية للمواطنين، وضرورة تواجد وحدات تقصي حقائق في الوسائل الإعلامية يدفع إلى إستمرار هذه المنصات.