"منعطف خطر": السدير مسعود بعيداً عن أدلجة الدراما السورية

نور عويتي
الأحد   2022/10/09
مازال الوسط الفني السوري يعيش حتى اليوم على أمجاد الماضي، وما زالت أدوار البطولة تُسند للنجوم الذين اكتسبوا مكانتهم في تسعينيات القرن الماضي والعقد الأول من الألفية، ما يعطي انطباعاً مستمراً بعجز سوريا عن تقديم جيل فني جديد قادر على حمل الراية في الأعوام المقبلة، خصوصاً أن أوراق النجومية لم تخلط فعلياً إلا بعد ظهور جيل جديد من أبناء الفنانين، الذين باتوا فجأة في صدارة المشهد الدرامي، ووصلوا بالوراثة لا بالكفاءة، بشكل يتوازى مع التوريث السياسي المعروف في البلاد.

وهنا، جاء السدير مسعود، الذي بدا الاستثناء الذي شذّ عن القاعدة، ليمثل حالة خاصة في الوسط الفني السوري اليوم، لأنه يكاد يكون الوحيد من الجيل الجديد لأبناء الفنانين الذي تمكّن من فرض نفسه وإقناع الجميع بموهبته. ولم يعد اسمه مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بأبيه غسان مسعود، كما هو حال أقرانه من أبناء الفنانين الذين هُيئت لهم كل الظروف لاحتلال المشهد من دون جهد يُذكر، ومن دون أن يتمكنوا من إقناع الجمهور باستحقاقهم للفرص التي استولوا عليها من المواهب الشابة المهمشة.

والفرق بين السدير مسعود والبقية أنه تمكن من رسم هوية فنية مستقلة بتجاربه القليلة في الأعوام الماضية، ليكون نداً للفنانين السوريين الذين تم تكريسهم في المرحلة التي تُعرف باسم "عصر الدراما الذهبي" بمن فيهم والده نفسه الذي بدا أنه يتفوق عليه بكفاءته الفنية.

السدير مسعود بدأ مسيرته بالتمثيل العام 2014، واستطاع كممثل أن يقدم بعض الأدوار الجيدة، مثل شخصية معتصم في مسلسل "مقابلة مع السيد آدم". لكن نجمه بدأ يعلو عندما اتجه للإخراج، الذي دخله من بوابة الإعلانات، قبل أن يقدم مسلسله الأول "قيد مجهول" العام 2021 ونال إشادات نقدية عندما تم عرضه، رغم وجود كمٍ كبيرٍ من المشكلات في النص، الذي بدا كنسخة مشوهة عن الفيلم الهوليوودي الشهير "Fight Club".

ونجاح المسلسل حينها كان مرتكزاً على بصمة السدير مسعود الإخراجية، والذي لم يعلق بدوامة الدراما السورية بعد تجربته الأولى، ليخرج من عباءتها إلى مصر، حيث يقدم مؤخراً مسلسل "منعطف خطر"، المقتبس عن المسلسل الدانماركي "the Killing"، الذي عُرضت أجزاؤه الأربعة بين العامين 2011 و2014.


"منعطف خطر" من تأليف محمد المصري، وأدى أدوار البطولة فيه باسل خياط وباسم سمرا وريهام عبد الغفور. ويتميز المسلسل عن تجربة السدير مسعود الأولى، بأن العمل هذه المرة نجح أكثر بالاندماج بالبيئة التي تحتضن أحداثه.

ويتشارك المسلسلان اللذان قدمهما السدير مسعود في العديد من النقاط، أبرزها أنهما مقتبسان عن أعمال درامية أجنبية، وأن التحقيق الجنائي يشكل العصب الرئيسي في تحريك الأحداث وأن هناك قصدية لخلق عنصر المفاجأة في نهاية المسلسل، وهذا الهدف يؤثر بشكل كبير على كافة عناصر العمل الدرامي، من تمثيل وموسيقى تصويرية وأسلوب التصوير. والجدير بالملاحظة أن السدير مسعود يهتم بخلق حكاية درامية مشوقة، لكنه لا يهتم بتركيب الدلالات عليها، لتغدو جوفاء تقريباً؛ حيث يلاحظ أن المسلسلين اللذين قدمهما فقدا جزءاً كبيراً من الأبعاد السياسية التي تتضمنها الأعمال الأصلية.

وفي سبيل تحييد الحكاية وتجويفها من الأبعاد السياسية، يتم الاستغناء عن معظم الشخصيات المرتبطة بالسلطة أو الاستعاضة عنها بشخصيات لها ذات الأثر، لكن في قطاعات أقل أهمية، كما حدث في مسلسل "منعطف خطر" الذي تم تحويل موضوع الصراع، لتكون شخصية سلمى الوكيل، الضحية التي تتمحور حولها الحكاية، هي شخصية "إنفلونسر" ترتبط بعلاقات مع إدارة نادي رياضي، على أعتاب الدخول بانتخابات لتحديد إدارة جديدة، وليكون هؤلاء المتنافسون في الانتخابات متهمين بقضية مقتلها. وبهذا يستبدل المسؤولون عن النادي الرياضي ومنافسوهم، السياسيين والصراع السياسي والانتخابات في المسلسل الأصلي. هذا النوع من التغييرات، رغم أنه يقلل من أهمية وأبعاد الحكاية، إلا أنه يخدم الدراما بطريقة ما، فهو يعطي ثقلاً إضافياً للشخصية الرئيسية، المحقق هشام منتصر (باسل خياط)، الذي يتمتع بمكانة وبسلطة أعلى من المتهمين.

فعلياً، كل العناصر الدخيلة في النسخة العربية على الحكايات الأصلية، تبدو أنها تحمل توجهاً واضحاً، فهي تريد خلق دراما مثيرة من دون أن تكون مرجعيتها مرتبطة بالواقع السياسي المقترنة فيه. لذلك يبدو أن السدير مسعود نجح بالخروج من دوامة الدراما السورية التي تطحن المبدعين بأدلجتها في "منعطف خطر"، لكن السدير مسعود عرف منذ البداية كيف يحيد نفسه ويبتعد عن هذه الدوامة جيداً، فهو يقدم دراما بوليسية مشوقة مبتورة عن الواقع ومطهرة من الأدلجة التي تصهرها ضمن البروباغندا الإعلامية للنظام السوري، أو حتى المعارضة. هذه الدراما حتى لو أخذ عليها الكثير من الانتقادات لانفصالها عن الواقع، إلا أنها تبقى بمكانة أعلى بكثير من المسلسلات المؤدلجة التي ينتجها التلفزيون السوري وشركات الإنتاج التي توصف بـ"الوطنية".

ولا بد من التنويه إلى وجود بعض النقاط في مسلسلات السدير مسعود التي تبدو غير منطقية، مهما تم تبسيط الواقع وتفريغه من الأبعاد السياسية، فهي أمور لا تتوافق مع كل ما ينتمي للثقافة المحلية، سواء السورية في "قيد مجهول" أو المصرية في "منعطف خطر"، منها الخطأ المفصلي في "منعطف خطر" الذي يجعل الأهل خارج دائرة الشك في التحقيق بجريمة مقتل ابنتهم، في البلاد التي يعتبر القتل بدافع "الشرف" هو الأكثر شيوعاً بجرائم قتل النساء. لذلك يبدو عامل المفاجأة في الحلقات الأخيرة منقوصاً في المسلسل الجديد، لأن الخط الذي سار به التحقيق لم يكن منطقياً منذ البداية.