جرائم المعلوماتية في سوريا: لا اعتقال قبل المحاكمات؟

المدن - ميديا
الإثنين   2022/01/24
فيما يناقش مجلس الشعب السوري مشروعاً لتعديل قانون مكافحة جرائم المعلوماتية الصادر العام 2012 لمزيد من التشدد، وهو القانون الذي يستخدمه النظام كطريقة "قانونية" لتكميم الأفواه في مناطق سيطرته، أصدرت وزارة العدل السورية تعميماً يتناول موضوع التوقيف الاحتياطي بقضايا جرائم المعلوماتية.

وجاء في التعميم الصادر عن وزير العدل، أحمد السيد، أنه من واجب القاضي التمييز بين حرية التعبير الذي سمح بالانتقاد والإشارة إلى أماكن الخلل في حال وجودها، وبين الجرائم المعلوماتية المتعلقة بالإساءة إلى الإدارة العامة أو القائمين عليها في أشخاصهم وشرفهم وحياتهم الخاصة.

ووصف التعميم الجريمة المعلوماتية بأنها باتت من الجرائم التي "تهدد سلامة المجتمع واستقراره" بسبب "انتشار وسائل التقنية الحديثة"، لافتاً إلى أنه يجب محاكمة الفاعل طليقاً في الجرائم التي لا تستدعي التوقيف حتى صدور الحكم كعنوان للحقيقة، بينما كان يتم توقيف الأفراد والصحافيين والناشطين قيد التحقيق في السنوات الأخيرة.

وبالطبع فإن هذه النوعية من التعميمات والقرارات تبقى ذراً للرماد في العيون ولا تتجه للتطبيق الفعلي بسبب سطوة الأجهزة الأمنية وطبيعة الدولة المخابراتية. وتعتبر هذه الطريقة من التعميمات محاولة لتقديم الدولة السورية لنفسها أمام البيئة المحلية على أنها دولة قانون ومؤسسات. فيما تشير حالات متعددة إلى العكس تماماً، كما حصل مع الصحافي الموالي كنان وقاف الذي تحدث عن معاناته من الملاحقات الأمنية حتى بعد براءته من تهم الجريمة الإلكترونية مؤخراً.

المثير للضحك هو حديث التعميم ووسائل الإعلام السورية الموالية عن أن الدستور السوري يكفل حرية التعبير والانتقاد، رغم أن البلاد محكومة بقبضة حديدية منذ سبعينيات القرن الماضي، ويزج في المعتقلات كل من يرفع صوته ضد السلطة، ووثقت المنظمات الحقوقية آلاف الانتهاكات عبر السنين في تلك المعتقلات سيئة السمعة التي تصفها منظمة العفو الدولية "أمنستي" بـ"المسلخ البشري".

وبحسب التعديلات المقترحة المتوقع إقرارها قريباً، سيتيح القانون الجديد للنائب العام أن يحرك الدعوى العامة أو يأمر بتحريكها في جرائم النيل من هيبة الدولة أو النيل من هيبة الموظف والجرائم التي تقع على الموظف أو على الدولة المنصوص عليها في هذا القانون وإن لم يقدم المتضرر شكوى أو ادعاء شخصياً. ويعتبر ذلك لافتاً لأن السنوات الماضية شهدت العديد من الدعاوى القضائية والشكاوى التي تقدم بها وزراء ومدراء عامون وموظفون إداريون وغيرهم كمقدمة لاعتقال صحافيين وناشطين موالين، إلى جانب المدنيين العاديين. وكانت اتهامات القذف والتشهير طريقة لتقديم قمع الدولة السورية لمواطنيها على أنها مجرد قضايا شخصية في بلد "يحترم حرية التعبير".

والحال أن النظام السوري بات شديد الحساسية لموضوع الانتقادات الموجهة له. وهو ما يظهر في قرار مجلس الوزراء مؤخراً بتشكيل لجنة إعلامية مهمتها التمهيد للقرارات الحكومية الجديدة من أجل تلافي الانتقادات التي تبقى مستمرة من قبل السوريين في مناطق النظام، عطفاً على البؤس الاقتصادي والخدمي الذي يعيشونه بسبب تزمت سياسات النظام وسطوة الميليشيات ورجال الأعمال المرتبطين به من جهة ثانية.

وتلقى الجرائم المعلوماتية اهتماماً من جانب حكومة النظام، بوصفها المدخل "القانوني" لقمع الناشطين، المعارضين والموالين على حد سواء، وأصدرت قراراً بإحداث محاكم مختصة بهذا النوع بجميع درجات التقاضي بدءاً من مرحلة الصلح والبداية إلى النقض بما فيها محكمة جنايات المعلوماتية.

ففي بلد تختنق فيه الحريات أكثر من أي وقت مضى، باتت الانتقادات والشكوى في مواقع التواصل من الحياة السيئة نفسها، وليس من النظام المتسبب بها، جريمة أيضاً، حيث اعتقل العشرات في الأعوام الأخيرة لمجرد كتابات منشورات يشتكون فيها من طوابير الخبز أو غلاء الأسعار. ويعزو النظام تلك الاعتقالات في تصريحات نادرة بشأنها إلى كونها تشهيراً بمسؤولين رسميين بشكل يتخطى النقد الإيجابي.

يذكر أنه قبل العام 2018 لم تكن في البلاد محاكم متخصصة في الجرائم الإلكترونية، بل كان يتم تحويل المتهمين بمس هيبة الدولة مثلاً، إلى محكمة قضايا الإرهاب غالباً، لكن وزير العدل السوري السابق نجم الأحمد، كشف حينها أن الوزارة بصدد إحداث محاكم متخصصة بمكافحة الجرائم الإلكترونية لأنها "كانت جزءاً من الحرب المعلنة على سوريا واستخدمت بغية التحريض على الأعمال الإرهابية" حسب توصيفه الذي يظهر تعريف النظام الواضح لماهية الجريمة المعلوماتية/الإلكترونية.