عندما يتعاطف سوريون مع أنور رسلان السنّي لا العلَوي!
وفي بلد تتواجد فيه سيادة القانون مثل ألمانيا، كان بالإمكان ملاحقة مجرمي الحرب في سوريا، عبر نشاط المنظمات غير الحكومية السورية والدولية التي تشكل في مجموعها صداعاً مستمراً لرموز النظام السوري، بسبب عملها المستمر على تتوثيق آلاف مقاطع الفيديو والصور والشهادات والرسائل الرسمية. وحتى لو لم يؤد ذلك حتى الآن إلا لمحاسبة مسؤولين صغار ضمن النظام، مثلما كان الحال في محكمة كوبلنز، فإن استمرار الضغط قد يؤدي إلى مزيد من المحاكمات والملاحقات مستقبلاً من جهة، كما يعني أن إعادة تأهيل بشار الأسد للبقاء كـ"رئيس شرعي منتصر" تبقى صعبة للغاية.
لكن القول أن ألمانيا كـ"دولة غربية متواطئة ضد الأكثرية السنية في البلاد" أصدرت حكماً على رسلان، ضابط الاستخبارات في فرع الخطيب سيء السمعة بالعاصمة دمشق، أتى فقط لأنه شخص سني وليس علوياً، يجافي الواقع. فألمانيا بديموقراطيتها ليست دولة من دول الشرق الأوسط الظلامية، واستقلالية القضاء فيها مكفولة بسبب الفصل بين السلطات. كما أن برلين التي كانت في مقدمة الدول المستقبلة للاجئين السوريين، مازالت حتى اليوم ترفض المساعي المختلفة لتعويم نظام الأسد، على المستوى الدبلوماسي.
ومثُل رسلان (59 عاماً)، والمسؤول الأمني إياد الغريب (44 عاماً)، أمام المحكمة الفريدة من نوعها، في مواجهة اتهامات بارتكاب جرائم ضدّ الإنسانية. وكان رسلان مسؤولاً رفيعاً برتبة عقيد، ترأس القسم 251 من المخابرات السورية، وكان مسؤولاً عن أمن العاصمة دمشق. وكان بالتحديد مسؤول الإستجواب في سجن الخطيب سيء السمعة قبل انشقاقه عن النظام العام 2013 ولجوئه في وقت لاحق إلى ألمانيا.
والمخيف هنا، هو الأصوات التي علت فجأة للنيل من ناشطي حقوق الإنسان والمدافعين عن الحريات عموماً في سوريا، بوصفهم أدوات لـ"المشروع الغربي". هذه الشيطنة الممنهجة للديموقراطية وحقوق الإنسان غير مفهومة من قبل أشخاص يقولون أنهم ثائرون من أجل الحرية! وإن كان خطابهم ككل يعزز خطاب الثورات المضادة ويعطي لموالي الأسد مبرراً للحفاظ على مواقفهم وتبرير العنف ضد المعارضين بوصفهم إرهابيين، فإن السؤال هو كيف يفرق أولئك عن نظام الأسد الذي يتحدث باللهجة نفسها؟
ومن المثير للاهتمام أن الحزن على رسلان لا يأتي لشخصه أو انشقاقه السياسي المزعوم، بل لدينه وانتمائه الطائفي، من قبل أشخاص يعرّفون عن أنفسهم بوضوح بأنهم مسلمون عرب سنّة. وإن كان ذلك يحيل إلى التدقيق في الهويات الطائفية التي تحكم بلداً ممزقاً مثل سوريا، فإنه يثبت أيضاً بأن الحرب المستمرة فيها منذ 10 سنوات كانت مجرد دليل على أن وجود هوية سورية جامعة لم يكن أكثر من وهم رومانسي في أفضل الأحوال، حيث يتخطى الدين/الطائفة المعنى الروحاني نحو المعنى السياسي ومنهما إلى المعنى الوجودي.
ولا يتعلق الأمر بسوريا فقط، بل هو مؤشر أكبر في دول الشرق الأوسط، التي يشكل فيها الدين محدداً للهوية على المستوى الشخصي والجماعي بدلاً من كونه مجرد اعتقاد. وكانت المنشورات المتعاطفة مع رسلان في "فايسبوك" و"تويتر" تتردد حتى في حسابات من دول المغرب العربي والخليج ومصر وغيرها! غابت فيها إلى حد ما الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي مارسها رسلان وأدت إلى الحكم عليه، لصالح الحديث عن العداء الغربي للإسلام والسنة، مع استذكار حالات أخرى مثل اعتقال السلطات الفرنسية للقائد في "جيش الإسلام" المتشدد إسلام علوش العام 2020.
ليس حزناً على الحكم على العقيد المنشق #أنور_رسلان في #ألمانيا.. هل لو كان علوياً لحُكم عليه؟! أم لوجد #روسيا و #فرنسا تُهرّبانه كما هربتا مجرم الحروب #رفعت_أسد بعد أن حكمت عليه محكمتها بالسجن 5سنوات فقط، وفاءً لعمالته لجهاز المخابرات الفرنسي في التجسس على جماعة #أبو_نضال، وغيرها.
— د ـ أحمد موفق زيدان (@Ahmadmuaffaq) January 14, 2022
وعلى غرار نظرائهم العرب، يشعر بعض السوريين السنّة على الأغلب بأنهم في خطر وجودي نتيجة سياسات محلية تهميشية، عززتها حملة الإبادة التي قام بها نظام بشار الأسد وحلفاؤه، ضدهم، ومشروع التشييع الذي تقوم به الميليشيات الإيرانية. وفيما يشعر المعارضون عموماً بأن المجتمع الدولي تخلى عنهم، خصوصاً بعد تراجع الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما عن خطّه الأحمر الشهير الخاص باستخدام النظام للأسلحة الكيماوية، العام 2013، تميل الفئة السنية الراديكالية هنا إلى تحويل ذلك الشعور إلى مقولة أن الغرب يعادي السنة السوريين فقط، وتقديم خطاب العداء للغرب الذي ربى نظام الأسد السوريين عليه عبر سياسات الأدلجة، من منطلق إسلامي/طائفي تعززه أيضاً الخطابات الإسلامية المتشددة في المنطقة، سواء تلك الآتية من رجال دين عرب أو من تنظيمات متطرفة على حد سواء.
والحال أن رسلان نفسه لم يحاول إخفاء ماضيه عندما لجأ إلى ألمانيا مع عائلته العام 2014، بل طلب بنفسه من الشرطة في برلين أن تحميه في شباط/فبراير 2015 وأخبرها بأنه كان ضابطاً في المخابرات السورية. والأكثر من ذلك أن دفاعه عن نفسه بحسب سجلات المحكمة التي نشرتها وسائل إعلام سورية معارضة ومراكز حقوقية، لعب على الوتر السني العلوي بالقول أنه كان مجرد موظف صغير يتلقى الأوامر. وتم ترداد الجُمل ذاتها من قبل سياسيين معارضين، مثل كمال اللبواني الذي قدّم شهادته في المحكمة، وصولاً إلى إعلاميين في وسائل إعلام عربية وسورية، بعد الحكم عليه.
تفريغ الحكم من مضمونه والابتعاد عن سياق العدالة التي تحققت في النقاش السابق، يرجع أيضاً إلى حالة إنكار للواقع، يصبح بموجبها رسلان منشقاً عن النظام لا مشاركاً في جرائمه ويصبح لدى آخرين جزءاً من الثورة نفسها ما يستوجب حمايته لا محاكمته، وهو ادعاء ساقط طبعاً بدليل وجود عناصر آخرين انشقوا عن النظام ولم يكتفوا بالصمت بل رفعوا أصواتهم عالياً للحديث عن الإجرام الأسدي ويبرز هنا المصور السوري المعروف رمزياً باسم "قيصر" والذي سرب نحو 55 ألف صورة مروعة تثبت وجود التعذيب في أقبية المعتقلات.
ومن المريح فعلاً أن تلك الخطابات قوبلت باستهجان أوسع من قبل المعارضين، تحديداً من قبل الناشطين والحقوقيين الذين ما زالوا يتصدون لواحد من أكبر الأخطاء الأساسية التي وقعت فيها المعارضة السياسية وهي الإصرار على الشوفينية العربية والإسلامية في أدائها السياسي والإعلامي منذ العام 2011، لدرجة أنها لم توفر لغير العرب وغير المسلمين شعوراً بأن تغيراً حقيقياً كان قادماً إلى البلد على شكل حقوق متساوية للمجموعات المهمشة سابقاً. ولم يكن من العبث بالتالي أن يكون الرد المثالي على المتعاطفين مع رسلان بأن السوريين لم يثوروا لاستبدال ديكتاتور علَوي بآخر سنّي.
وبعد أكثر من عشر سنوات على اندلاع الثورة في سوريا، كانت المحكمة في "كوبلنز" أول إجراء قضائي في العالم محوره فظائع يُتهم بارتكابها نظام الرئيس بشار الأسد. وفيما أشادت منظمة "هيومن رايتس ووتش" بالحكم "التاريخي"، قالت منظمة العفو الدولية "أمنستي" أن المحكمة "ثبتت بشكل واضح ورسمي ظروف الاعتقال غير الإنسانية وأعمال التعذيب المنهجية والعنف الجنسي والقتل في سوريا"، وهو ما يحاول النظام إنكاره على لسان الأسد شخصياً في عدد من المقابلات الإعلامية، بموازاة وصفه صور "قيصر" بأنها نتيجة التلاعب بالصور عبر برنامج "فوتوشوب"، علماً أن تقريراً خاصاً أصدرته "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" في حزيران/يونيو 2020، وثق مقتل 14388 سورياً تحت التعذيب، بينهم 14235 شخصاً قتلوا في معتقلات نظام الأسد منذ العام 2011.
تكلمت منذ عتقال هذا المسكين بأن محاكمته هي أنتقام من المنشقين وليست محبة واضهارا للعدالة..أنور رسلان خلال وجوده في فرع الخطيب كان أشبه برجل كرسي ومراقب من أصغر عنصر علوي عنده وكانت الكلمة محسوبة عليه.. كل من أنشق قبل ال2014 هاؤلاء الغالب منهم شرفاء https://t.co/c9Nf4BFsey
— فاضل العبود (@ZSsoCv66mdEBHZv) January 13, 2022
انور رسلان ضابط مخابرات منشق وهو مسلم سني يعمل بحدود كاتب في فرع المخابرات
— أ./ محمد النعيمي (@ALLWTN) January 13, 2022
ولم يتسلم ضابط مخابرات سني منصب رفيع في أي جهاز امني يمكنه من أتخاذ قرار حتى بتغيير حرس أو حاجب على باب مركز أمني ذو قرار
يعني بالخط العريض لو كان علوي كانوا وضعوا ضمن برنامج حماية الأقليات😂😂
ليس طائفية ولكن
— أس الصراع في الشام (@asseraaalsham) January 13, 2022
مازن درويش العلوي وأنور البني المسيحي حاكموا #أنور_رسلان السني
وتركوا كل الشبيحة العلوية في أوروبا
واعتقلوا #مجدي_نعمة لانتمائه لفصيل اسلامي
أنور رسلان انشق مثله مثل مئات الضباط
كان يجب أن يحاكم بعد سقوط بشار وليس الآن
الهدف هو شرعنة محاكمة كل من حمل السلاح لاحقاً pic.twitter.com/KGdIatyMjV
منطقك أعوج.. أنور رسلان مجرم.. مو سني.. والجرائم لا تسقط بالانشقاق
— سَلمَانـ | Salman Alnajjar (@salman_Syr) January 13, 2022
انشق أواخر عام 2012
— Patriot (@barzehnews) January 13, 2022
بقي على رأس عمله سنتين تقريباً يساهم في تعذيب المعتقلين بينما كان يمكنه الإنشقاق قبل ذلك وأيضاً كان بإمكانه فضح أساليب التعذيب وما يجري في أفرع النظام من جرائم.
أنور رسلان سواء كان سني أو علوي أو غير ذلك هو مجرم يستحق العقاب
بعد عشر سنوات من القتل والتعذيب والتهجير والتدمير، تم الحكم بالمؤبد على ضابط سنّي منشق لاجئ، وهلل الجميع وطربوا لهذه (العدالة) الاستثنائية!
— Mohammad H Atrash (@MHATRASH) January 14, 2022
هل يوجد مشهد أكثر إيغالاً في السريالية والهستيرية من هذا المشهد؟ هل سيطول انتظارنا للنيزك أكثر من كل هذا الانتظار؟#أنور_رسلان #هزلت
مع أننا نؤيد الحكم الصادر بحق أنور رسلان لعمله ضمن منظومة الاستبداد.
— حلب الروح (@AlrwhHlb) January 13, 2022
ولكن أنور رسلان منشق عن النظام و سني.
أعتقد لو الضابط من الطائفة كان الحكم سيصدر بالبراءة.
خيار وفقوس عمي حتى بالغرب