رسوم على اتصالات الطوارئ في سوريا: الوفيات الكاجوال قَدَر!

المدن - ميديا
الثلاثاء   2021/09/21
يبدو أن غلاء الأسعار في سوريا يتمدد نحو قطاعات تتعدى المواد الغذائية والمحروقات وتكلفة المواصلات، حيث أعلنت وزارة الاتصالات في حكومة النظام، عن تغيير التعرفة على خدماتها الرديئة أصلاً، بما في ذلك خدمات الإنترنت في البلاد.

وأعلنت "الشركة السورية للاتصالات" التابعة للوزارة، الثلاثاء، رفع أسعار خدماتها المتعلقة بخدمات الهاتف الثابت وباقات الإنترنت وخدمة "الفايبرنت" المنزلي والتجاري اعتباراً من مطلع تشرين الأول/أكتوبر القادم.

وارتفع بذلك سعر باقات الشحن لأرصدة الهاتف المحمول لجميع الباقات، وتباينت الأسعار بين 400 ليرة سورية كحد أدنى للباقة بحجم تحميل 5 غيغابايت، و7500 ليرة لأعلى باقة بحجم 200 غيغابايت. ووصلت أسعار باقات الإنترنت "تراسل ADSL" وفقاً لحجم الاستهلاك الشهري إلى 2000 ليرة سورية لأقل الباقات بحجم 30 غيغابايت، و35 ألف ليرة للباقة بحجم 275 غيغابايت، كما ارتفعت أجرة تركيب الخدمة إلى 10 آلاف ليرة سورية.

يأتي ذلك بعدما تم تحويل خدمات الإنترنت منذ مطلع العام 2020 إلى نظام الباقات التي أثارت استياء واسعاً بين السوريين، إثر وضع قيود على الاستخدام حسب السرعة، علماً أن الإنترنت في سوريا يعاني ضعفاً ملحوظاً منذ بداية تشغيل المخدمات، ويضطر المستخدمون للانتظار فترات طويلة لتحميل مقطع فيديو صغير مثلاً، فضلاً عن حجب النظام لعشرات المواقع الإعلامية، مقابل إزالة الحجب عن مواقع التواصل الاجتماعي العام 2011.

ومازالت "الدولة السورية" تدافع عن هذه التجربة رغم الأصوات المعارضة لها في مواقع التواصل. وقال مدير الإدارة التجارية في الشركة السورية للاتصالات بالوزارة، أيهم دلول العام الماضي مثلاً أن تجربة "تقنين" الإنترنت، "أثبتت فعاليتها بتحسين جودة الإنترنت لكافة شرائح المشتركين" وهو زعم لا يمكن على الإطلاق تصديقه لأسباب عديدة.

فإلى جانب الاستياء من الخدمة المتردية وسرعة الإنترنت المنخفضة، فرض النظام الجديد رقابة غير مباشرة على الإنترنت، لأن المستخدم يتمكن من الحصول على إنترنت يكفيه لتصفح بعض المواقع الأساسية والسوشيال ميديا، لكنه بات في خوف دائم من تجاوز حد الاستهلاك بسبب العامل الاقتصادي والفاتورة التي ستنتظره. وبالتالي بات يفرض رقابة ذاتية على نفسه عن مشاهدة مقاطع الفيديو مثلاً، أو تصفح مواقع "غير مرغوبة من قبل النظام"، والتي تُفرض عليها بعض القيود التقنية التي تجعل تصفحها ثقيلاً وبطيئاً ما يزيد في الاستهلاك بالضرورة، من دون أن تضطر سلطات النظام لاستعمال الحجب بمعناه التقليدي المعروف قبل العام 2011.

وتأتي الخطوة الجديدة في وقت بات فيه النظام يتفنن في الطرق التي يتحصل بها على الأموال من جيوب السوريين شبه الفارغة بسبب السياسات الاقتصادية الحالية بالدرجة الأولى. ووصل الأمر إلى حد فرض "أتاوات" ورسوم على المكالمات الطارئة المجانية في كافة أنحاء العالم.

وكتب الإعلامي في التلفزيون السوري جعفر يونس عبر صفحته في "فايسبوك" أنه لم يصدق بداية الأمر أن مكالمات الطوارئ باتت مأجورة إلى حين تجربة الاتصال بالرقم "113" ليجد أن رصيده نقص 16 ليرة!

ورغم أن المبلغ تافه إلا أنه قد يكون عاملاً حاسماً في إنقاذ حياة أفراد في بلد تتجاوز فيه نسبة الأشخاص القابعين تحت خط الفقر 85% بحسب إحصائيات الأمم المتحدة. ويعني ذلك أن شخصاً بحاجة لسيارة إسعاف قد يموت إن لم يمتلك رصيداً في هاتفه يخوله الاتصال. ولا يعتبر ذلك مفاجئاً بل هو عادي لأن حياة السوريين آخر ما يهم النظام السوري، وهو ما أثبتته السنوات العشر الماضية التي شهدت مجزرة تلو الأخرى ما أدى لمقتل نحو نصف مليون شخص وتهجير نحو 12 مليون آخرين. وبالتالي لن تكون مجموعة قليلة من الوفيات العابرة "الكاجوال" مهمة على الإطلاق من وجهة نظر رسمية ضمن ذلك السياق.

وبررت "الشركة السورية للاتصالات" رفع أسعار خدمات الاتصالات والإنترنت في سوريا، بأنها تأتي "ضماناً لاستمرار خدماتها في ظل الخسائر التي تتكبدها نتيجة التكاليف المرتفعة وتذبذب أسعار صرف الليرة السورية، وتأثير ذلك على كلفة الحزمة الدولية".

وبررت صحيفة "الوطن" شبه الرسمية القرار قبل صدوره بيومين، بأن شركات الاتصالات لم تعدل الأسعار منذ خمس سنوات، و"صمدت طويلًا أمام التحديات الاقتصادية التي واجهتها"، كما ذكرت خمسة مبررات للشركة يحق لها من خلالها رفع أسعارها، منها فقدان أعداد كبيرة من أبراج التغطية الناتج عن الحرب، وارتفاع سعر مادة المازوت في ظل اعتماد الشركة عليها بسبب انقطاعات التيار الكهربائي المتكررة، بالإضافة إلى أن الشركة مُلزمة بدفع أجور الخدمات للشركة المزودة العالمية بالقطع الأجنبي.

ووسط هذا الواقع المزري، ومع التسليم بأن تطبيقات الدردشة تشكل بديلاً ملائماً للمكالمات الأرضية القديمة، إلى حد كبير، فإن النظام قد يجدد في الفترة المقبلة مشاريعه لحجب المكالمات الصوتية ومكالمات الفيديو عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وهي فكرة طرحت العام 2018 ولم تصل إلى حيز التطبيق، خصوصاً أن هنالك تغييرات في سوق الهواتف المحمولة في الداخل السوري، بعد قضية شركة "سيرياتل" وملاحقة رجل الأعمال رامي مخلوف من قبل النظام.