السلطة التونسية تنظر في المرآة.. وتتوخى صورة الأسد

وليد بركسية
الإثنين   2021/07/26
مؤيدون للرئيس قيس سعيد في العاصمة تونس (غيتي)
من الطبيعي أن يهلل موالو النظام السوري وإعلامه الرسمي لـ"الانقلاب الناعم" الذي نفذه الرئيس التونسي، قيس سعيد، بقراره تجميد عمل البرلمان ورفع الحصانة عن النواب وإقالة رئيس الوزراء هشام المشيشي. فمن ناحية شعبوية يمثل كل ما سبق "انتصاراً" آخر يسجل لصالح "الدولة السورية" التي وقفت بحزم ضد "الربيع العربي الأخواني التركي الأطلسي"، ومن جهة أخرى، أكثر ظلامية ربما، تتماشى لغة الرجل الواحد، الطاغية على المشهد التونسي، مع هوية الدولة الأسدية بما يعطي ممارساتها العنفية ضد الشعب نفسه، شيئاً من الشرعية.

لا يحتاج النظام السوري بالطبع إلى مبررات لممارسة العنف وانتهاكات حقوق الإنسان، لكن خطاب النظام دبلوماسياً وإعلامياً يتخذ ذلك الخط في كل مناسبة كنوع من الميكانيزم الدفاعي، تتراكم عبره المسوغات التي تجعل النظام دائماً أمام قاعدته الشعبية في موقف البطل المدافع عن قيم الحق والخير والعدالة، ما يجعله بالتالي الهدف الأول "للمؤامرة الكونية التي تقودها الولايات المتحدة".



وفي هذا السيناريو المضحك، تصبح واشنطن الراعية والمشغلة لـ"الأخوان المسلمين" من أجل تنفيذ أجندة تهيمن بها على شعوب المنطقة، ليس فقط من ناحية سياسية واقتصادية، بل من ناحية ثقافية، أيضاً تتمحور حول الإسلام السياسي وحضوره في الحياة العامة. واللافت هنا أن النظام السوري، مثل بقية ديكتاتوريات الشرق الأوسط، يتفاوت في علاقته مع الدين على حسب الجمهور المستهدف والظرف السياسي السائد. وفي حين يقدم النظام نفسه للغرب مثلاً كنظام علماني يرعى الحريات الدينية، فإنه في حالة صراعه مع "الأخوان المسلمين"، باعتبارهم واجهة الربيع العربي من وجهة نظره، يطرح نفسه أمام الجمهور المحافظ كراع للإسلام الصحيح. 

وفيما ينسحب ذلك تدريجياً نحو مطالبات الشعب السوري بالصمود في وجه الفقر وانعدام أساسيات الحياة من كهرباء وطعام ومحروقات، فإنه يتوازى مع تمجيد العنف. ولا يعني ذلك ما قام به جيش النظام السوري وحلفاؤه من إبادة جماعية وممارسات ترتقي إلى مستوى جرائم الحرب، بل يطاول الممارسات التي كانت أصلاً من مسببات الثورة السورية، كالاعتقال التعسفي والتعذيب وأحكام الإعدام التي كانت المطالبات بها حاضرة بين موالي الأسد لتطبيقها في تونس، كدرس مجاني في مكافحة الديموقراطية.

ولا تأتي تلك الدعوات السامة من أشخاص يوالون النظام فقط، بل من شخصيات اعتبارية ضمن النظام نفسه، مثل مستشار وزير الإعلام مضر إبراهيم الذي ينظر له عموماً كأحد من يرسمون السياسات الإعلامية للنظام على مستوى السوشال ميديا ووسائل الإعلام الرسمية، بالإضافة لمجموعة من الإعلاميين والصفحات الموالية الأكثر تأثيراً وانتشاراً في مواقع التواصل. وبالطبع لا تتوقف دعوات الإعدام والملاحقة الأمنية على "الأخوان المسلمين"، بل تمتد إلى الشيوعيين الذين كان نظام الأسد شديداً في معاداتهم طوال عقود، وإلى الليبراليين الذين باتوا يحضرون بكثافة في الخطاب الرسمي في السنوات الأخيرة أيضاً.



ضمن هذا الجو تصبح "الدولة السورية" هي التي أنهت "عصر الأخوان" بسبب صمودها، ليس فقط في سوريا بل في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، رغم أن دولاً خليجية مثل الإمارات هي صاحبة الفضل في رعاية الثورات المضادة في دول الربيع العربي، بما في ذلك مصر قبل سنوات. وبغض النظر عن تلك الجزئية التي كانت مثيرة للانقسام في "تويتر"، فإن المؤكد أن فكرة وجود ديموقراطية عربية مجاورة كانت دائماً مخيفة لبقية الديكتاتوريات العربية التي لا تختلف عن بعضها البعض سوى في الأسماء الحاكمة وطبيعة العقد الاجتماعي الذي كرس تلك الدكتاتوريات في السلطة لعقود.

وفي الشاشات الرسمية السورية، تُرسَم صورة قاتمة للعالم العربي، تضع شعوبه أمام خيارات متساوية في السوء، تتراوح بين الرضى بالديكتاتورية كشرط للاستقرار، أو الفوضى السياسية كوصف يستخدم لذمّ الديموقراطية أو الانزلاق نحو العنف والحرب الأهلية، وهي معادلة لطالما حضرت في السياسة العربية ككل تحت شعار الأمن مقابل الاستقرار. لكن تطلعات الشعوب العربية للديموقراطية، بوصفها أفضل نظام سياسي توصلت إليه البشرية حتى الآن، يبقى حاضراً، لأن المعادلة السابقة فشلت طوال عقود في تطوير المجتمعات العربية على كافة المستويات بما في ذلك المستوى الاقتصادي والمعيشي، فيما أدى الإنترنت تحديداً إلى شيوع مقاربات بين أسلوب الحياة في الدول التي تتواجد فيها الديموقراطية الحقيقية وبين أسلوب الحياة في دول المنطقة.



وفيما أدت الظروف الاقتصادية تحديداً، إلى انهيار العقد الاجتماعي السابق في دول مثل سوريا، والسعودية فإن ردّ الفعل الرسمي على ذلك اختلف بين محاولات "الإصلاح" القسرية للمجتمع، كما جرى في السعودية مع ولي العهد محمد بن سلمان، أو بسياسة الأرض المحروقة التي طبقها رئيس النظام السوري بشار الأسد. والمشترك هو الخوف من خيار الشعب نفسه بثورة تطالب بإصلاح سياسي شامل وبالديموقراطية التي ترفع نعوتها اليوم في "تويتر" على المستوى العربي ككل، على اعتبار أن تونس كانت الدولة الوحيدة التي خرجت من الربيع العربي، الذي انطلق منها العام 2010، بمكاسب ديموقراطية ما، ولو هشة.

وإن كانت الثورات المضادة متوقعة وطبيعية إلى حد ما في الدول التي تنشأ فيها الديموقراطية، فإنها في تونس لا تأتي من الشعب نفسه، بل تمارس من قبل شخصيات في موقع السلطة عبر الجيش الذي مازال دوره في الدول العربية ككل مشوشاً كأداة من أدوات السلطة في حماية نفسها، بدلاً من أن يكون أداة لحماية الشعب قبل أي شيء آخر. ولا يمكن بالتالي القول أن الشعوب العربية غير معتادة على الممارسات الديموقراطية، ولا أن الشعوب العربية لا تستحق الديموقراطية، في معرض التبرير لمحاولات الانقلاب الفردية والعسكرية بوصفها حماية للشعب من نفسه بسبب خياراته، بل يجب أن يتم تثبيت الديموقراطية مهما كان الوقت المستغرق لتلك العملية طويلاً.