نتنياهو "التاجر" و"النرجسي".. سقوط "ملك"

أدهم مناصرة
الإثنين   2021/06/14
مراراً شارك في السوشال ميديا صورتَه مصاباً في حرب الاستنزاف في سيناء كجزء من دعايته الشخصية
"الملك" سقط، "السّاحر" هُزم.. هكذا علّق محللون وساسة اسرائيليون على إزاحة بنيامين نتنياهو عن الحكم بعد اثني عشر عاماً متواصلة لرئاسته الحكومة في اسرائيل منذ العام 2009، تُضاف اليها ثلاث سنوات أخرى قضاها في المنصب اواخر التسعينيات.
فمن هو نتنياهو الذي تحول من محلل سياسي يدافع عن الرواية الاسرائيلية عبر الشاشات الاميركية باللغة الانكليزية إلى موظف في السلك الدبلوماسي، ثم الرجل الثاني في وزارة الخارجية، وصولاً إلى لاعب في سياسة الحكم الاسرائيلية؟

تعود اصول نتنياهو البالغ من العمر (72) عاماً من جهة الاب من بولندا في اوروبا الشرقية. وُلد في تل ابيب بعد النكبة في العام 1949، لكنه ترعرع ونشأ في حي الطالبية بالقدس المحتلة. ثم انتقل "الفتى" بنيامين بمعية عائلته للعيش في الولايات المتحدة؛ بعدما تلقى والده منحة للعمل البحثي والاكاديمي هناك كبروفيسور في التاريخ اليهودي.

الخليط والتناقض بين الأصل ومكان العيش، إضافة إلى وضعية والده في الحركة الصهيونية، مروراً بحفظه روايات "تاريخية" تلزمه في عملية الدعاية، كلها عوامل بارزة في صقل شخصية نتنياهو السياسية والسيكولوجية. فقد ورث نتنياهو الفكر اليميني عن ابيه البروفيسور بنتسيون، حيث كان الأخير امينَ سر مؤسس الصهيونية "التحريفية" (الإصلاحية) والتي يُعتبر اليمين الاسرائيلي اليوم امتداداً لها. فوالده من مُنظّري اليمين الصهيوني قبل قيام اسرائيل.


في الولايات المتحدة، درس نتنياهو المرحلة الثانوية، وكذلك الهندسة المعمارية في الجامعة ثم علوم ادارية وسياسية، وعمل هناك لسنوات طويلة. وخلال مكوثه في أميركا لم ينقطع عن دولة الاحتلال، فقد خدم نتنياهو في وحدة الاستطلاع بالجيش الاسرائيلي "النخبة" (سييرت متكال)، ذات المهمة المزدوجة بين الاستخبارات واللوجستية المعقدة. 

والحال ان تتبع نشاط نتنياهو في مواقع التواصل الاجتماعي يكشف كيف أنه وجد ضالته في صورة تاريخية وثقت إصابته خلال مشاركته في حرب الاستنزاف في سيناء قبل خمسة عقود. فدأب على نشرها أكثر من مرة في السوشال ميديا متباهياً بها، وفي محاولة منه لخدمة حكمه. وجاء مقتل شقيقه الأكبر يوناتان نتنياهو، الضابط في وحدة الاستطلاع الخاصة العام 1976 على أيدي فلسطينيين، أثناء توليه مهمة "تحرير رهائن اسرائيليين" في أوغندا، ليشكل حدثاً فارقاً بالنسبة لبنيامين، مكّنه من تسلق أولى درجات سلم السياسة.


يتضح من سيرة نتنياهو، كما ترصدها "المدن" من توثيقات اعلامية وسياسية عبرية، أنه شرع قبل 45 عاماً في خطّ مشواره السياسي من بوابة انخراطه في العمل الجماهيري وأيضاً بروزه في شاشات التلفزة الأميركية كمحلل سياسي، مستثمراً مقتل أخيه (من أجل اسرائيل) وكونه نجل الصهيوني والمؤرخ بنتسيون وإجادته اللغة الانكليزية بطلاقة وفهمه للمعادلة الاميركية جيداً، واعتقاد من حوله انه يمتلك "كاريزما" ولغة جسد. 

كل ذلك وظفه نتنياهو ليكون في البداية وجه الشاشة الأميركية كمحلل سياسي مُدافع بـ"شراسة" عن وجهة نظر اسرائيل باللغة الانكليزية، اواخر السبعينات ومطلع الثمانينيات. حتى أنه شارك في مُناظرات تلفزيونية، جمع فيها بين رواية "تاريخية" استقاها من والده البروفيسور، ودعاية اسرائيل الآنية.

ظهور نتنياهو على شاشات التلفزة الأميركية، وإجادته للدعاية، كانا عنصرين كافيين كي يلفت نظر وزارة الخارجية الاسرائيلية، بحسب مطلعين. فوظّفته في السفارة الاسرائيلية في واشنطن، ثم تدرج في العمل الدبلوماسي وصولاً إلى توليه منصب سفير إسرائيل في الأمم المتحدة من 1984 إلى 1988. ثم عاد ليستقر في اسرائيل، وبدأ دخول السياسة بشكل أعمق على الطريقة الاميركية.

واصبح نتنياهو الرجل الثاني في وزارة الخارجية، مطلع التسعينيات، وكان ممثلاً للوفد الاسرائيلي في مؤتمر مدريد للسلام العام 1991، فسطع نجمه أكثر.

وبعد ابرام اتفاق اوسلو العام 1993، قاد نتنياهو تحت غطاء حزب الليكود المعارض، حملة تحريض عبر التلفزيون وحرك تظاهرات ضد رئيس الوزراء الاسرائيلي الاسبق، يتسحاق رابين، لإفشال اتفاق السلام مع منظمة التحرير الفلسطينية، حتى تم اغتيال رابين. وتتهم عائلة رابين، نتنياهو بالمسؤولية عن عملية التحريض التي تسببت في مقتله.


تولى العُمّالي شمعون بيريز، رئاسة الوزراء لفترة مؤقتة بعد اغتيال رابين العام 1995، ثم أصبح بنيامين نتنياهو العام 1996 أصغر شخص يتولى رئاسة الحكومة في اسرائيل وهو ابن 47 عاماً، لمدة ثلاث سنوات.


حلّلت وسائل اعلام إسرائيلية "نتنياهو السياسي"، فاعتبرَ خبراء أن الخوف لازمه في اتخاذ القرارات خلال تقلده منصب رئاسة الوزراء، أواخر التسعينيات للمرة الأولى، ثم غاب عشرة اعوام.. ليعودَ إلى زعامة الليكود، ورئاسة الحكومة العام 2009 حتى اليوم. وظهر أن نتنياهو قد تعلم جيداً من أخطائه خلال حكمه القصير في التسعينيات، لكنّ تلك الحقبة ولّدت عنده فوبيا منعته من اتخاذ خطوات كبيرة مثل الحروب الكبيرة أو إغضاب المتدينين.

لم يغب التحليل السيكولوجي أيضاً، فقد اعتبره سياسيون "ذكياً بعقلية أميركية"، لكنه نرجسي مُعتدّ بانتمائه، لدرجة أنه يتباهى بأنه من جذر حاخام يهودي وُصف بالعبقري في القرون الماضية، يُدعى إيليا بن شلومو زلمان كريمر، ومعروف بإسم فيلنا.


وبينما أنصف نقاد اسرائيليون نتنياهو، حينما أقروا بما سمّوها "إنجازاته الاقتصادية والدبلوماسية" واختراقه العلاقات مع دول عربية وإحباط الأنشطة الايرانية، إلا انه يؤخذ عليه تشبثه بالسلطة ونرجسيته الحادة التي قادته الى أخطاء رغم "ذكائه الخارق". فهو قام بإقصاء كل من شكل خطراً عليه في الليكود وخارجه، وأحاط نفسه بشخصيات تلتزم أوامره وتدين له بالولاء. 

ونتنياهو المسؤول الاسرائيلي الأول الذي تجاوز العرف الدبلوماسي مع رئيس اميركي، حيث ألقى خطبة بالكونغرس ضد الرئيس الأسبق باراك اوباما. ووصف ساسة اسرائيليون فعلة نتنياهو هذه بـ"الوقاحة".

نتنياهو الذي وصل الى الزعامة من خارج المؤسسة العسكرية، يُوصف بـ"التاجر" الذي استفاد من مرحلة سياسية دولية تسعى إلى استبعاد الجنرالات عن الحكم، في زمن النشاط الاقتصادي. ونجح في توظيف الموضوع الإيراني والمخاطر الخارجية، لديمومة سلطته، ونال لقب "الملك" كأكثر شخصية اسرائيلية تمكث في الحكم مدة زمنية طويلة. وربما يعود بعد أشهر!

يهوى نتنياهو، كما زوجته سارة، العيش الرغيد والبذخ، حيث يقيم في حي"رحافيا" المرموق بالقدس الغربية، ولديه "فيلا" في مدينة قيسارية داخل أراضي 48.. غير أن هذا لم يمنع نتنياهو من حيلة ارتداء ثوب المظلومية من اليسار، ويصف نفسه قريباً من الفقراء ليحصد أصواتهم. وتورطت زوجته سارة في التأثير السلبي في العمل السياسي، كما اتهم نتنياهو بقضايا فساد، فقد تم اتهامه بالرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة في ثلاث قضايا منفصلة.