غلطة إعلامية لجمعية إنسانية تضطرها للإعتذار

نور صفي الدين
الجمعة   2021/05/07
اضطرت "اطباء بلا حدود" لإزالة صورة المحجبة اثناء الكشف عليها من قبل "قابلة قانونية"
في السنوات الأخيرة، زاد اهتمام الجمعيات التي لا تبغي الربح باستحداث قسم للإعلام والمناصرة، وبشكل خاص بعد تحول منصات التواصل الاجتماعي الى أدوات أساسية لتسويق مهمتها، وقضاياها، وبرامجها. وبذلك لم تعد مهمة هذا القسم محدودة بالتواصل مع وسائل الاعلام والتشبيك معها لايجاد مساحة على الهواء، وبات لكل جمعية إعلامها الذي تروج من خلاله لنفسها وتصنع من خلاله هويتها.

وكان قد شهد أسلوب التعاطي الاعلامي للجمعيات، نقلة كبيرة في طريقة إبراز القضايا؛ ففي البداية كان العمل الاعلامي في هذه الجمعيات محصوراً بتغطية مؤتمرات الجمعية ونشاطاتها، بالاضافة الى نشر احصاءات وحقائق عن عمل الجمعية، الى أن أصبحت السياسية الاعلامية تنطلق من إشراك المستفيدين من الخدمات الانسانية في الحملات الاعلامية، حيث أصبح الدليل ـــ الذي لا يحتمل الشك ـــ على نجاح الجمعية هو شهادة رضا لمستفيد يسرد تجربته.

وأخيراً، نشرت جمعية "أطباء بلا حدود" فرع لبنان، صورة لامرأة محجبة وهي حامل في صفحتها في "فايسبوك"، ضمن حملة في اليوم العالمي للقابلات القانونيات. تظهر المرأة ممدة على سرير في عيادة وهي تخضع للفحص الطبي. وفي الوقت عينه يظهر جزء من جسدها مكشوفًا. 



يصعب على المرء أن يخمن بأن الصورة  تحمل في طياتها معنى سلبيًا، فهي جاءت متلازمة مع سرد لتجربة ناجحة لإحدى القابلات القانونيات. لكن سرعان ما تهافتت التعليقات التي انتقدت نشر هذه الصورة ووجهت أصابع الاتهام الى الجمعية، التي بحسب آراء احد المعلقين "خرقت خصوصية المريضة"، وخدشت المعتقد الديني الذي يحرم على المرأة المجبة إظهار جزء من جسدها.

قد يبدو أن لا مشترك بين  الاعلام "الانساني" والاعلام التقليدي أو التجاري، غير أنّ الطرائق التي يعتمدها الاعلام "الانساني" مستقاة بشكل مباشر من الثاني. حوّل الاعلام "الانساني" متلقي خدماتها الى مستفيد. لم يهدف الى بيعه كمنتج، وانّما منحه خدمة غير مدفوعة وفي المقابل قدم قصته الى الممولين للحصول على دعم أكبر تسعى به الجمعية لمساعدة الفئات المتضررة من جهة، وتضمن استمرارية تشغليها من جهة أخرى. 

وفي حين أنّ الاعلام "الانساني" لا يقبع تحت ضغط تحقيق الربح، فانه يرزح تحت عبء رقابة المانحين الذين يعتمدون على شروط وأهداف معقدة في الشكل تخضع لها الجمعية من أجل الحصول على الأهلية في التقدم والحصول على المنحة.

وفي ظل تزاحم الجمعيات على التمويل، كان لا بد أن يكون الاعلام مبتكراً، فاستنسخ لنفسه سبلًا عديدة. وعلى قدر أهدافها النبيلة، لم تنجُ من الخطأ. واذا كانت العلاقة بين الاعلام التجاري والزبون هي مجرد علاقة مرتبطة بمنتج، فإن العلاقة بين المستفيد والجمعية الانسانية تتحول الى صلة وثيقة تتخطى الخدمة الى الشعور المعنوي بالأمان، ويعود ذلك الى القرب الانساني والاحتكاك المباشر مع المستفيد الذي قد يجد في بعض الأحيان أن الجمعية هي "المخلص" الذي يستنجد به.


وقد تعترض عملية التسويق الاعلامي عوائق متعددة، مثل اللغة، غير أن العائق العقائدي أو الحساسية الثقافية هي احدى العوائق التي، اذا ما تم خرقها، تعرضت سمعة الجمعية الى خطر. 

وتكمن أهمية وسائل التواصل الاجتماعي في استخدامها من قبل الجمعيات لأهداف عديدة، كالتوعية والوقاية الصحية، والتعريف بخدمات الجمعية وكيفية الوصول اليها وصولًا الى حشد تعاطف دولي اتجاه قضية معينة وتسليط الضوء على معاناة المهمشين. 

ويتم إدراج الاعلام اليوم تحت نظم المساءلة وتعزيز الشفافية بحيث أن اتاحة خاصية التعليقات أمام الجمهور ساهمت في معرفة وجهة نظره حيال قضايا كثيرة، وتتم الاستعانة بهذه المنابر أيضاً كمنافذ للشكوى. وكل ذلك يعني أن تقيد الاعلام "الانساني" بإرشادات العمل في هذا المجال لا تكون في حدود الدليل النظري، وتتخطاه الى أبعد من موافقة المستفيد، وصولاً الى التكهن بالمخاطر التي قد يتعرض لها في حال بروزه أمام العامة، بالاضافة الى الأخذ بعين الاعتبار الحساسية الثقافية واختلاف المعتقدات، وهي ضرورة أخلاقية ومهنية.

اذا كانت محاسبة الاعلام التقليدي تكتفي بعدم تكرار الخطأ وتقديم اعتذار عبر أحد منابره، فان الاعلام "الانساني" يتمتع بقدسية هلامية، فهو ليس عصياً عن المحاسبة، وإنما يجدر به أن يكون عصياً عن الخطأ. فالخطأ الاعلامي في الجمعيات يرتد على برامجها وأهدافها، وفي بعض الاحيان قد يمنع الفئات المتضررة من طلب الحصول على الخدمة من الجمعية نتيجة الشعور بالخوف أو عدم الثقة. 

استدركت "أطباء بلا حدود" الخطأ، وحذفت الصورة التي عرضت هذه الجمعية الرائدة في المجال الصحي لبلبلة كان في إمكانها تفاديها، وذلك إثر سيل من التعليقات هشّمت أهداف الحملة، من غير أن تؤثر في أهداف المنظمة بحدّ ذاتها.