مرض نصرالله.. ليس موضوعاً عابراً

قاسم مرواني
الأربعاء   2021/05/26
نصر الله والخميني وخامنئي في بلدة جبشيت جنوبي لبنان (غيتي)
قد لا تبدو مستغربة الإشكالات في مواقع التواصل الاجتماعي، بين أنصار "حزب الله" وخصومهم، على خلفية "شماتة" البعض في مرض أمين عام الحزب، حسن نصرالله. فجيش "حزب الله" الالكتروني وجمهوره، يرصدون كل كلمة تنشر كي يردوا عليها، إلا أن القلق والخوف الذي انتشر في أوساط بيئة الحزب، بعدما ظهرت بعض علامات المرض على نصرالله في خطابه الأخير، يخفي تحته الكثير. وهو الذي شغل، إلى جانب المدونين والمغردين، وسائل إعلام لبنانية وعربية وإسرائيلية، فبات موضوعاً في حد ذاته. 


لا يختلف "حزب الله" كثيراً عن باقي الأحزاب اللبنانية، ولا يختلف نصرالله بدوره عن أي زعيم آخر في مجتمع، ما زالت القبلية والعشائرية راسخة في لاوعي ناسه. الزعيم هو الأب، الحامي، القوي. أحزاب لا تدور حول القيم والمبادئ والقوانين، إلا نظرياً، إنما حول الشخص الذي يحمل الراية ويقود: نبيه بري، نصرالله، ميشال عون، سمير جعجع، سعد الحريري، وليد جنبلاط.. زعامات بنت كل منها حزبها ووضع نفسها في منتصفه.. ولا شك أن أسئلة مثل: "ماذا سيحل بنا بعد رحيل الزعيم؟" قد خطر في بال كل لبناني.


إنما الوضع داخل الطائفة الشيعية قد يكون مختلفاً بعض الشيء. فوجود القائد راسخ في العقيدة، الإيمان بمخلّص سيظهر يوماً، ويملأ الدنيا عدلاً بعدما مُلئت ظلماً. وفي غيبته، وإلى حين ظهوره، هناك نائب عنه، هو الولي الفقيه الذي يؤمن به ويتبعه جزء من الشيعة. تاريخياً، يعتبر الشيعة أن مقتل زعيمهم يعني القضاء عليهم، حدث ذلك في مراحل تاريخية مختلفة، أبرزها على المستوى  اللبناني، مقتل الزعيم الشيعي ناصيف النصار العام 1781، ومعه انتهى زمن الرخاء والاستقلال الذاتي الشيعي في جبل عامل.

حسن نصر الله زعيم شيعي استثنائي، ليس بسبب الكاريزما التي يمتلكها وفن الخطابة فحسب، ولا لأنه قدّم ابنه شهيداً في مواجهة العدو الاسرائيلي، بل لأن نصرالله عاصر "النهضة" الشيعية اللبنانية الحديثة بمراحلها كافة، بل وكان أحد صناعها، بصرف النظر عن كيفية قيامه بهذه الصناعة: من الحرب الأهلية، إلى حرب 1993، حرب 1996، ثم التحرير وما جاء بعده من حرب العام 2006 والحرب في سوريا. خلال كل هذه المراحل، حاول قدر الإمكان أن يظهر القوة، رفع الصوت، الإصبع، الابتسامة في وجه العدو. مرة وحيدة، ربما، بان عليه الضعف، في خطابه الأول إثر عدوان تموز 2006، حين بدا شاحب الوجه، وتسبب ذلك في حالة انحطاط معنوي داخل بيئته الحاضنة، إلا أنه استطاع التعويض عنها في خطابات لاحقة.
 

يدرك الرجل جيداً معنى أن يظهر قوياً أمام جمهور عربي، شرقي، ذكوري، يحترم القوي ويبخس كل ما هو ضعيف. مكانته كزعيم ثابتة، بقدر ما يُظهر من قوة، وخلال الأعوام الماضية، عرف جيداً كيف يحافظ على قوته. عرف متى يرفع إصبعه للتهديد، ومتى يمدّ يده المفتوحة دلالة على الانفتاح. حتى أنه قال إنه يرفض أن يأخذ لقاحاً أميركياً للوقاية من فيروس كورونا، وليس معروفاً إذا ما وافق على لقاح روسي أو صيني أم اكتفى بالدعاء.

بالأمس ربما لم يجد نصرالله مفراً من إلقاء خطاب في مناسبة التحرير، رغم مرضه الذي قد يكون زكاماً عادياً، كورونا، أو حساسية ربيعية، أو أي شيء آخر. لكن الإعياء كان بادياً عليه، وعلى الأرجح، لو امتلك الخيار، لما ظهر أمام الجمهور.