رندة كعدي لـ"المدن": "راحوا" ظُلم لأنّه عُرض في رمضان

إيمان ابراهيم
الجمعة   2021/05/14
الممثل الذي يبحث فقط عن النّجوميّة ينطفىء بها
مدهشة الفنانة الكبيرة رندة كعدي بثقافتها، وعمقها، وتحليلها.. فما نشاهده في الشاشة لا ينبع من فراغ. هي الأكاديميّة، التي درست أصول الفن ودرّسته، حازت شهادات عليا وما زالت تواظب على دراسة شخصياتها كما التلميذ المجتهد، الذي يخشى عثرة، والمتربّع في الصّفوف الأماميّة. 
كانت ضيفة المشاهدين طيلة أيام رمضان، بثلاثة مسلسلات، قدّمت فيها ثلاث شخصيات لا تشبه إحداها الأخرى، ظلّت تصوّر "للموت" حتى الأسبوع الأخير من الشهر، وتتحدّث لـ"المدن" عن تجربة الإطلالة المكثّفة التي تحمل في طيّاتها تجدداً يعكس عمق رسمها للشخصيّات التي تؤدّيها. 

- في رمضان 2021 أنت جوكر المنافسة الرمضانية بثلاثة أدوار في "راحوا"، و"عشرين عشرين" و"للموت"، أيها أحب إلى قلبك؟

** قد يعتبر البعض أنّ إجابتي "كليشيه" لكنّي بالفعل أحبّ الأدوار الثلاثة بالطّريقة نفسها، لأنّها تخرج من نبضي وروحي وقلبي ومن وجودي، وعندما أعمل على كل دور، أعطيه هويةً وبصمةً ولمسةً، وكل شخصية تختلف عن الأخرى لكنّ الممر هو روحي، تخرج منها الأدوار كفعل ولادة، فتصبح الأدوار كأنّها أولادي.

هذه هي الحقيقة، ولو لم أحبّ الأدوار، لما لعبتها. فبعد هذه الخبرة والعمر الطويل لا أستطيع أن أملأ دوراً فارغاً. مثلاً شخصية حنان في مسلسل "للموت"، مساحتها صغيرة، لكنّها محوريّة للفتيات اللواتي تشرّدن وهربن من الميتم، وطردت هي بعد هروبهنّ، ثمّة رابط روحي قويّ، فالدّور يحمل رسائل كثيرة، أنّ الأمّ هي التي تربّي وليست فقط التي تنجب، وثمّة رسالة  أخرى أنه لا عمر للحب، علينا ألا نخجل بمشاعرنا. هذه المساحة الصغيرة لدور حنان فيها "عجقة" رسائل، أحببت أن أوصلها، لذا قبلت بالدور.

أما دور الحاجّة ضحى في "عشرين عشرين"، فهو دور الأم الطيّبة التي لم يكن أولادها على قدر تربيتها. صُدمت عندما علمت حقيقتهم، لم يتحمّل قلبها. لأنّ الخيبة تكون ضربتها أقوى عندما تأتي من الناس الأقرب إلى قلبك. هذه الشخصية تعني لي الكثير برسائلها وعمقها.
أمّا دوري في "راحوا"، فقد اتصلت بي الكاتبة الصديقة كلوديا مرشليان، وقالت لي لديّ دور أريدك أن تتحدّي نفسك من خلاله لتكوني سيّدة مافيا. سلّمتني النّص، ولشدّة ما كان ممتلئاً، عشقته، وتحدّيت الممثلة في داخلي لأخرج صورة البشاعة والفساد. 

"راحوا"

- بحسب إحصاءات شركة "إيبسوس"، مسلسل "راحوا" يتصدّر نسب المشاهدة في لبنان، لكن ثمّة انتقادات كبيرة للمسلسل بسبب النص والتطويل والإخراج، هل تتابعين الانتقادات؟

** نعم أسمع بعض الانتقادات، وأعتقد أنّ المسلسل ظُلم لعرضه في شهر رمضان، بينما هو مؤلّف من ستين حلقة، وأخذ وقته في الأحداث، التي ستظهر تباعاً، وتظهر معها الدوافع التي تحرّك كل شخصيّة، والأسباب التي دفعت بالبعض إلى الانغماس في عالم الجريمة. هذا المسلسل لم يكن مقرراً عرضه في رمضان، الذي تُخصّص له ثلاثون حلقة مكتوبة لتنافس في شهر الدراما. 

- بالمجمل 60 حلقة لمسلسل واحد أليست كثيرة؟ هل ما زال المشاهد يملك شغف متابعة 60 حلقة؟ 

** نعم لديه الجَلد، بدليل أنّه يتابع مسلسلات تركية بعضها من 200 حلقة. كما سبق وقلت المسلسل ظُلم لعرضه بين مسلسلين مكتوبين بحرفية، ويحملان في طيّاتهما نبض الشارع، بما يحويه من عذابات ومن مافيا، مشكورة نادين جابر عن "للموت"، ومشكور بلال شحادات مع نادين عن "عشرين عشرين".

- إلى أي مدى يؤثّر المخرج المحترف في أداء الممثّل؟ 

** إلى حدٍ كبير. في مسلسل "عشرين عشرين" ثمّة إدارة ممثل. المخرج فيليب أسمر، ومساعدو المخرج، والمخرج المنفّذ وائل أبو شعر،.. كل المحيطين بالممثلين، جبابرة، والأمر يعود إلى سخاء شركة "الصباح" للإنتاج، كما في مسلسل "للموت" لشركة "إيغل فيلمز" التي تقدّم إنتاجات محترفة كل سنة، ثمّة عباقرة يحيطون بالممثل ويساعدون على ضبط إيقاع العمل. 

- لو كان المخرج فيليب أسمر هو من تولّى إخراج "راحوا"، هل كنّا سنلمس إيقاعاً مختلفاً؟ 

** لا، لأنّ المشكلة كما سبق وقلت، أنّ العمل ليس مكتوباً لشهر رمضان ولا لسباقاته الدرامية. 

لذة..لا نجومية

- ما هو الدّور الذي أتعبك بين الأدوار الثلاثة؟ 

** بصراحة لا يتعبني أيّ دور، لأنّ الممثل  يبحث عن اللذّة. الممثل الحقيقي لا يلعب دوره ليبحث عن النّجوميّة إذا كان بالفعل فناناً مسرحياً أو تلفزيونياً. ثمّة عشق، نحن ننفصل عن ذواتنا، نتجلّى عن عالمنا الحقيقي، أنا أنفصل عن رندة وأغوص في الشّخصيّة حتّى أعماقها، وأكتشف أسرارها مع النّاس. إلى هذا الحدّ اللعبة ممتعة، كالموسيقى والسلطنة والرّسم. هذه الحالة من الفن نعيشها خلال أداء الدّور، وليس التعب، وأحياناً نصوّر عشرين ساعة، ونكون قادرين على ألا نخلّ بالشخصيّة. وهنا على المخرج أن يكون لديه هذا الشغف، حينها يصبح الغلط ممنوعاً، والهفوات ممنوعة كي لا تفلت الشخصيّة من المسلسل. الحب يبارك هذا التعب، بينما النّاس "عالهيّن" تشاهد، وبكبسة زر تلغي كل تعبنا وعشقنا وغرامنا. 

- أنتِ عميقة وتفهمين أصول التمثيل أكاديمياً، إلى أي مدى هذه الثقافة مهمّة بالنسبة إلى الفنّان؟  

** أنا أكاديمية أحمل درجة ماجستير في علم التمثيل المسرحي والتلفزيوني والسينمائي، وأنا مدرّبة لمادّة التربية المسرحية في دور المعلمين في البقاع. أعطي مادة التربية المسرحية، وهي مادّة ضرورية لضبط سلوكيات المتعلّم واكتشاف مواهبه، كي نعطيه تربية شمولية، ليبدع، كما نعزّز مخيّلته ونزيد ثقته في نفسه. المسرح أمر عظيم هو أشبه بحبة بانادول نعطيها للطفل كي ننزع أي وجع اجتماعي يواجهه. 

- الممثلون والممثلات القادمات من عالم الجمال على وجه الخصوص، يدركون هذه الأمور

** عم تخجليني... دعيني أتحدّث عن نفسي، أنا إنسانة أكاديمية، ابنة مسرح قبل أن أمثّل في التلفزيون، قبل أن تكون لديّ الجرأة لأمثّل في التلفزيون ويشاهدني كل النّاس. نذرت عمري للمسرح، لكن للأسف في لبنان تقفل المسارح وتفتح المرابع الليليّة. أنا حزينة على وطني لأنّه عندما تندثر الثقافة الفنيّة، لن يبقى لدينا ما يغذّينا، إذا كان كل ما حولنا فاسد، سنختنق ونموت ببطء. 

فن وشهرة

- كيف ترسمين شخصيّاتك؟ بالتالي ما هي النّصيحة التي توجّهينها للممثّل ليرسم شخصيّاته بدقّة؟ 

** هناك نوعان من الممثلين، ممثل يريد الشهرة فقط، وهو يعيش الشهرة وينطفىء بها. وهناك من يعمل بالفن لأجل الشغف، ولأجل تحقيق ذاته من خلال الشّخصيّات التي يلعبها، فيعمل على سمات الشخصيّة ويبني لها هوّيّة واسماً، حتى لو كانت من دون إسم. مثلاً في مسلسل "راحوا" شخصّيتي لا اسم لها، اسمها "إم عماد"، أنا اشتغلت على اسمها واسم أمّها، رسمت لها شخصيّة، لأتمكّن من الوصول إلى الكاراكتر وألعبه. إلى هذا الحد اشتغلت على شخصيّة إم عماد، حتى على صوتها الذي لا يشبه صوتي، على نظرتها، الحدّة في عينيها، هي تنظر إلى مسافة بعيدة، تنظر إلى ماضيها ومستقبلها الذي تخشاه. إلى هذا الحد أدرس تفاصيل الشخصية، لتكون لديّ جرأة الوقوف أمام المخرج فلا يعدّل ما بنيته.

- تساعدك ابنتك في تركيب الشخصيات، ما هو اختصاصها؟ 

** كنت أعمل وحدي على تركيب الشخصيات وفق المدرسة الكلاسيكيّة، وجود ابنتي تمارا كريستينا حاوي، إلى جانبي، ساعدني في رسم شخصيات من مدارس مختلفة. ابنتي درست التمثيل وحصلت على شهادة ماجستير في إعداد الممثل، وسافرت إلى أوروبا حيث شاركت في ورشات إعداد الممثل، وتنوي متابعة دكتوراه في اختصاصها.

أنا وهي نذهب إلى أبعد وأقصى حدود، نقوم بعمل خلطة ومزيج جديد لتركيب شخصيّة إذا قدّمتها من جديد قد لا أعرف. ابنتي ترافقني منذ خمس سنوات، خلالها حصلت على ثلاث جوائز، ولو كانت ثمّة جوائز هذه السّنة لحصلت على اثنتين أو ثلاث منها. 

- في معظم المسلسلات نلاحظ أنّ الأدوار الثانية هي التي تخطف الأضواء وتكون رافعة المسلسل، ما السبب برأيك؟

** لأنّها هي المساندة، هي الدّعم الذي يحمل الشخصيّات المركّبة، تحمل أساس البنيان والمسار التركيبي للعمل الفنّي، هذه هي مهمّة الأدوار المساندة  التي هي الأساس الذي تقوم عليه بنية العمل. 

- كيف كانت أجواء التّصوير في ظل الجائحة؟ هل كان ثمّة قلق من التقاط العدوى بين الممثلين؟

** بطبيعة الحال كان هناك قلق وخوف، حتى أنّ شركات الإنتاج طالبت الدّولة بتأمين اللقاح للعاملين في هذا المجال، إلا أنّ الدولة لم تلتفت إلينا. كنا نذهب بإيماننا، ورغم كلّ الخوف ننزع الكمامات عندما تدور الكاميرا، نعمل وجهاً لوجه، من دون تباعد، لأنّنا ننفصل عن ذواتنا، عندها نشعر بأنّنا أعلى من الوباء وأنّ الوباء لن يصيبنا.