إيلا التي يستكثرون عليها التعويض

قاسم مرواني
الإثنين   2021/05/10
في إحدى حلقات صار الوقت، في أكتوبر2019، استضاف مارسيل غانم الطفلة إيلا طنوس، التي أراد أن تغني النشيد الوطني اللبناني. بدت، على صغر سنّها، مؤمنة بوطن لم يعد أحد يؤمن به، حتى هو، أي الوطن، بات يشكك في كيانه ووجوده ووطنيته وهويته.

أنشدت النشيد الوطني، لوطن كان الجميع حينها قد بدأ البحث عن مركب نجاة للقفز من سفينته الغارقة، أمسكت إيلا الميكروفون بأطرافها المبتورة، عانقته كأغلى شيء تملكه، أو لأنها لا تجيد إمساكه سوى بالطريقة الوحيدة التي باتت متاحة لها بعد بتر أطرافها الأربعة بسبب خطأ طبي. وأنشدت إيلا، التي تفهم الوطن وتحبه بسذاجة الأطفال وبراءتهم، من أجل وطن لم يكن حينها قد أنصفها بعد، رغم سنوات من الكفاح في المحاكم. واليوم، ربما تشعر وأهلها، بشيء من العدالة.

وربما تكون المرة الأولى في لبنان التي تتنصر فيها الدولة لمريض على حساب الأطباء والمستشفيات، بعدما أصدرت محكمة استئناف الجزاء في بيروت حكماً لصالح إيلا وعائلتها قضى بإلزام المستشفيات والأطباء المدانين دفع تعويضات تصل إلى 9 مليارات ليرة لبنانية ودخل شهري. الحكم الذي لاقى استحساناً لدى غالبية اللبنانيين الذين عبّروا، عبر وسائل التواصل، عن تضامنهم مع الطفلة والقرار الصادر لصالحها.

استند قرار المحكمة بشكل خاص إلى التقرير الصادر عن لجنة التحقيقات القضائية التي رأسها نقيب الأطباء الحالي د. شرف أبو شرف. ورأت اللجنة بناء على التحقيقات التي أجرتها أن بتر أعضاء الطفلة أيلا طنوس حدث نتيجة خطأ طبي ارتكبه الأطباء وليس نتيجة تدهور حالتها الصحية. 


د.شرف أبو شرف، وهو نقيب الأطباء في بيروت، عاد ليقف إلى جانب الأطباء بمواجهة ما وصفه بالحكم الجائر والظالم في حقهم، وكان قد صرح في اعتصام للأطباء أمام قصر العدل في بيروت، الأحد، أن الأطباء قاموا بواجبهم على أكمل وجه لإنقاذ حياة الطفلة، لافتاً إلى أن حالة إيلا هي من الحالات النادرة والمستعصية والتي تؤدي إلى الوفاة وبتر الأعضاء. 


ربما الاعتراف بالخطأ بالنسبة إلى الطبيب أبو شرف، لا يعني تحمل المسؤولية والمحاسبة. الموقف نفسه اتخذته نقابة الأطباء في لبنان، حين أعلنت عن اضراب تحذيري لمدة أسبوع، تتوقف خلاله عن استقبال المرضى إلا في الحالات الحرجة. وتباعاً، أعلنت مستشفيات عديدة التزامها قرار نقابة الأطباء، من بينها مستشفى أوتيل ديو، ومستشفى حمود الجامعي، ومستشفى سيدة المعونات جبيل، في عقاب جماعي للبنانيين.


لا شك في أن الحكم الصادر لصالح الطفلة إيلا طنوس وعائلتها، يشكل ثغرة في جدار منيع بنته نقابة الأطباء لمنع أي محاسبة عنها، فالأخطاء الطبية في لبنان لا تعد ولا تحصى، الكثير ممن عانوا بسببها أحجموا حتى عن اللجوء للقضاء لعلمهم أن الأطباء في لبنان فوق المحاسبة وهم يمسكون الدولة والمواطن من اليد التي تؤلمهم، وأي محاولة لمحاسبتهم تعني توقفهم عن استقبال المرضى وهو ما هددت به النقابة بشكل واضح وصريح حين ادعت أن الحكم سيؤثر في عمل المستشفيات ويؤدي إلى ترددها في استقبال الحالات الحرجة. 
ويرى البعض أن المَبالغ التي نص القرار على دفعها للطفلة إيلا وعائلتها، فيها بعض المُبالغة، وربما يعتبر هؤلاء أن الانسان في لبنان رخيص أصلاً ولا يستحق كل هذا المال، حيث أن العُرف السائد هو أن ديّة القتيل تصل، في حدّها الأقصى إلى خمسين مليون ليرة، في حين أن الأخطاء الطبية في دول أوروبا كفيلة بوقف الطبيب عن عمله وتغريمه والمستشفى مبالغ طائلة يبدو معها المليون دولار مبلغاً ضئيلاً... ثم ما هو التعويض المنطقي لطفلة بُترت أعضاؤها الأربعة وستحتاج مع عائلتها إلى الكثير من المتابعة الطبية وغير الطبية لمدى الحياة؟