كورونا في القصر الجمهوري: بداية الحملة الانتخابية للأسد؟!

وليد بركسية
الثلاثاء   2021/03/09
يحدد الإعلان عن إصابة الرئيس السوري بشار الأسد وزوجته أسماء، بفيروس كورونا المستجد، نقطة البداية للحملة الانتخابية الرئاسية، قبيل الانتخابات الحاسمة في البلاد، الصيف المقبل. وفيما كانت تسريبات صحيفة "نيويورك تايمز" ووسائل إعلام عربية عن تلك الحملة، الشهر الماضي، تشير إلى أنها ستنطلق في آذار/مارس، فإن الاعتماد على فيروس كورونا لجذب الانتباه، بدلاً من حلقات الدبكة في الشوارع، لا يشكل مفاجأة كبيرة ربما، لأن النظام غير استراتيجيته الإعلامية في السنوات الماضية، تجاه تفاصيل كالمرض والضعف، وبات يدرك على ما يبدو فعالية هذه التفاصيل في خلق حالة من التعاطف المنشود.


وبغض النظر إن كان مرض بشار وأسماء حقيقة أم مجرد مسرحية دعائية موجهة إلى طبقة الموالين، فإن الضخ الدعائي الساعي لخلق حالة من الشفقة والتعاطف معهما، بوصفهما مواطنين يتعرضان لظروف قاسية مثل كل السوريين، تعاظم في البيانات الرسمية والتغطية الإعلامية وهاشتاغ #ما_ع_قلبكم_شر في "فايسبوك" و"تويتر"، في وقت باتت فيه النقمة الشعبية من النظام شديدة بسبب انعدام لوازم الحياة الأساسية التي يفشل النظام في تأمينها، بداية من الكهرباء والغاز وصولاً إلى الخبز والمواد الغذائية.

وهنا، تراهن صورة بشار وأسماء، وهما في لحظة ضعف، على خلق تورط عاطفي معهما قبيل الانتخابات المقبلة على مستويات عديدة، لأنهما "آثرا على نفسيهما عدم الحصول على لقاح كورونا قبل الشعب السوري"، كما يقال (وهذا موضع شك في ظل أخبار عن لقاحات بكمية محدودة وصلت إلى سوريا)، ولأنها ما زالا يقومان بمهامها الرئاسية حتى خلال مرضهما، ما يشير إلى تفانٍ مزعوم في السهر على راحة المواطنين وحماية أمن البلاد من المؤامرات الخارجية! وهي فكرة كافية للدفع بفكرة موازية مفادها أن بشار وأسماء جديران فعلاً بالتضحية والصمود من أجلهما "بالروح والدم" مثلما يقول الشعار البعثي العتيق، حتى لو كانت الظروف الاقتصادية والمعيشية صعبة ومأزومة وعصية على الحل.


وبدأت دمشق نهاية الشهر الماضي تلقيح الطواقم الطبية العاملة على الخطوط الأمامية بمواجهة الوباء بعد تلقيها 5 آلاف جرعة هبةً من "دولة صديقة"، حسبما أعلن وزير الصحة حسن الغباش، حينها، كما وقعت حكومة النظام، مطلع العام، اتفاقاً للانضمام لمبادرة "كوفاكس" عبر منظمة الصحة العالمية، فيما أعلنت السفارة السورية في موسكو الشهر الماضي أن سوريا أجازت استخدام لقاح "سبوتنيك في" الروسي على أراضيها. ولم تعلن أي جهة موعد وصول اللقاحات إلى دمشق بعد، علماً أن منصة "كوفاكس" تسعى لتأمين اللقاحات لما لا يقل عن 20% من السوريين حتى نهاية العام الحالي، في وقت بلغ فيه عدد الإصابات الرسمية المسجلة بالفيروس 15981 وهو رقم يرجح أن يكون أعلى بكثير، بسبب الاستهتار الرسمي وسياسة التعتيم في ما يخص الإحصاءات في البلاد.

وبعكس الحالة السائدة في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، عندما كان النظام السوري يتستر على أخبار المرض والإعياء ضمن القصر الجمهوري، بما في ذلك إخفاء حقيقة إصابة الرئيس السابق حافظ الأسد بسرطان الدم، لسنوات قبل وفاته العام 2000، يعمد النظام في السنوات الأخيرة إلى التخلي عن تلك السياسة العتيقة، التي سعت إلى خلق هالة أسطورية للأسد الأب أمام السوريين تحت شعار "القائد الخالد" الذي لا يمرض ولا يموت، ويبدو نظرياً في مرتبة أسمى من البشر العاديين الذين يحكمهم.

فمن إصابة أسماء بالسرطان العام 2018، إلى "الدوخة" التي أظهر بشار إصابته بها أمام الكاميرات في خطاب ألقاه أمام مجلس الشعب العام الماضي، تعددت الصور التي "تساوي" العائلة الحاكمة بالشعب، بشكل يظهر محاولة النظام لإعادة تعريف المنظومة الإعلامية الرسمية، بصورتها الكلاسيكية، من دون الانقلاب عليها تماماً. ويعني ذلك أن الصور والأنباء عن أفراد تلك العائلة، مازالت تأتي من مصدر واحد، لكنها باتت مختلفة عن الصور الجامدة التي كانت توزع لتعليقها في الشوارع والمدارس وزجاج السيارات، مع تنويع بين الجانب العسكري ونظيره المدني الذي بات مطلوباً بعد الثورة السورية.

ولعل العاملين الأساسيين في ذلك التغيير الذي يبلغ ذروته اليوم مع الإعلان عن إصابة الثنائي الدموي بفيروس كورونا، أو إصابة الفيروس بهما حسب النكتة السائدة في مواقع التواصل، هما، أولاً، التبدل الطارئ في طبيعة التواصل الإنساني عموماً بفعل انتشار مواقع التواصل وتبدل طبيعة الإعلام. وثانياً، الحاجة إلى خلق إحساس داخلي ضمن البيئة الموالية، بوجود تواصل وتماثل بين القيادة والشعب الذي يعاني على كافة المستويات والمطالب بالتصدي والصمود للمؤامرة الكونية والجوع والفقر والقمع، لتثبيت فكرة أساسية هي وحدة المسار والمصير، بمعنى أن زوال النظام أو تعرضه للخطر، يعني تعرض تلك الفئات الداعمة للخطر أيضاً.

القيادة المركزية لحزب البعث العربي الاشتراكي باسم أعضاء الحزب وجماهيره في أرجاء الوطن كافة، وباسم شعبنا العربي السوري...

Posted by ‎حزب البعث العربي الاشتراكي - القيادة القطرية‎ on Monday, March 8, 2021



يمكن تلمس التوجه نفسه في الدعاية الرسمية بعيداً من فكرة المرض، بما في ذلك نشر صور بشار أيام الدراسة في حقبة الثمانينيات، ليس لمشاركة ذكرياته الطفولية أو أرشيفه العائلي "اللطيف" مع جمهور الموالين فحسب، بل لاستعراض التواضع وادعاء الانتماء للشعب البسيط، مقدماً نفسه على أنه ليس ابن الديكتاتورية السلطوية التي أوصلته للرئاسة بالوراثة، بل مجرد فرد آخر من ملايين السوريين، الذين درسوا بجد وتقدموا في الحياة بشكل طبيعي نحو المكانة التي يستحقونها بجهودهم. وهو نفس الاتجاه الذي يطغى على صور وأخبار أبناء الأسد الثلاثة، حافظ وزين وكريم، أيضاً.

والحال أن الأسد قبل العام 2011، كان يعتمد على شركات علاقات عامة عالمية ترسم له الصورة الذهنية العامة منها شركة "براون لويد جيمس" الأميركية، فيظهر "فجأة" من دون مرافقة أمنية في دار الأوبرا أو في سوق الحميدية الشهير، وكأنه فرد عادي يمارس نشاطاً يومياً لا أكثر، وليس رئيساً يحكم البلاد بقبضة حديدية. ورغم أن ذلك أعطى الأسد الابن صورة أكثر إنسانية مقارنة بوالده، إلا أنه بقي محافظاً على هالة تضعه فوق بقية السوريين. وبعد الثورة السورية، باتت إطلالات الأسد أكثر ندرة، وانقسمت بين ظهوره كقائد عسكري بين الجنود، أو بين إطلالات "عفوية" تصوره كأب يحمي الدولة والمجتمع.

بالتالي، لا تصبح أزمة كورونا المستجدة في القصر الجمهوري، ضعفاً بل استثماراً لذلك الضعف لأغراض سياسية. والأسوأ ربما، أن ذلك الاستثمار هو استمرار للاستخفاف بعقول السوريين وإنكار حاجاتهم، حيث يصدر النظام نفس الصورة التي تضع الأسد في مرتبة لا يمكن التخلي عنها، رغم أن الشعب طالب بالتغيير في ثورة شعبية العام 2011. وتجسد تلك الصورة، الفوقية والغطرسة الرسمية في أعلى مراتبها، ليس لأن الحياة لا تتوقف عند شخص واحد فقط، على افتراض أن ذلك الشخص مهم فعلاً لشعبه، بل لأن الدعاية الرسمية تقدم تلك الفوقية على أنها تواضع وطيبة بين القيادة الحكيمة وعامة الشعب، أيضاً.

ولعل عقدة الأسد الأبدية حول حب الشعب له، والتي تحدث عنها خبراء عالميون لهم وزنهم، مثل جيرالد بوسس الذي تستعين به وكالة الاستخبارات المركزية "سي آي إيه" في تحليل الشخصيات الدكتاتورية، تشكل مفتاحاً لفهم إصرار الأسد على تقديم نفسه كشخصية محبوبة لا يمكن التخلي عنها، واستثمار المرض نفسه للوصول إلى تلك النتيجة، ومحاولة فرض حب الناس له على الشعارات الرمزية في البلاد من "منحبك" إلى صوره مع قلوب حمراء في الشوارع. وهي كذبة لا يمكن أن يصدقها ربما حتى أكثر الموالين حباً لعائلة الأسد، الذين تخلوا بشكل مثير للاهتمام عن التضرع والتوسل لبشار في الأسابيع الأخيرة، بعد يأسهم منه لحل الأزمة الاقتصادية في البلاد، وعادوا لمناشدة والده حافظ كي ينهض من الموت وينهي المشاكل المتفاقمة في البلاد.

#انهض ياأبا ألفقراء🖤 فشعبك بأت جائعآ 🙏 رحمك الله سيدي🤲

Posted by ‎علي داغر‎ on Friday, March 5, 2021