"أبو يائير" يخدع فلسطينيي 48 بوعود "الحجّ"

أدهم مناصرة
الإثنين   2021/03/22
يحاول نتنياهو استغلال غضب فلسطينيي الخط الأخضر على أحزابهم التي "لم تأتِ لهم بشيء"
حرصَ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، على السير وفق قاعدة "للضرورة أحكام" في انتخابات الكنيست الرابعة في غضون عامين، والمقررة الثلاثاء. فمن أجل ضمان استمرار حكمه سيفعل كل شيء، بدليل أنه تحول من العَداء للعرب في اسرائيل بالانتخابات السابقة إلى "مُحبٍّ لهم"، بحسب دعايته الانتخابية، عشية الانتخابات المبكرة في نسختها الرابعة.

أدرك نتنياهو الخطر عليه وأن المنافسة في هذه الانتخابات أكثر احتداماً وشراسةً لأنها ليست كسابقتها بين يمين ويسار؛ بل هي الآن بين معسكرين يمينيَين.. وتكتّلين، أحدهما داعم لنتنياهو وبقاء حكمه، والآخر مناوئ له، وأن الجمهور اليهودي مقسوم إلى المُعسكرين ومن الصعوبة بمكان استمالة من يرفضه من اليهود. فوجد أن الفرصة الوحيدة له تكمُن في استمالة العرب، علّه يكسب مقعدين إلى ثلاثة ما دامت الحرب ستكون على مقعد حاسم هُنا او هناك.

ومن أجل تحقيق ذلك، انتهج نتنياهو دعاية انتخابية وخطاباً لكسب ما تيسر من أصوات فلسطينيي 48، استخدم فيها منصاته الاجتماعية "فايسبوك" و"تويتر" وحتى تطبيق "تيك توك"، مروراً بوسائل إعلام عربية داخل الخط الأخضر وليس فقط وسائل إعلام مقربة منه؛ رغبةً في استمالة الصوت الفلسطيني "المتردّد" او "الناقِم" على الأحزاب العربية، خصوصاً بعد انشطار اللائحة "المشتركة".

وخصّ نتنياهو صحيفة "كل العرب" بلقاء حصري (للمرة الأولى)، إلى جانب تلفزيون "هلا" وموقع "بانيت"، وبدرجة أقل فضائية "مكان" الناطقة باللغة العربية لمخاطبة فلسطينيي 48، وإيصال رسائله المطلوبة في محاولة منه لنزع صفة "العنصرية" وادعاء "المساواة" بين وسائل الاعلام.. مع العلم ان إدارة "مكان- العربية" رفضت بث مقابلتين مع بنيامين نتنياهو، احتجاجاً على مقاطعته قناة "كان 11" التابعة لهيئة البث الإسرائيلية، وذلك لاتهامه إيّاها بالانحياز لليسار ومُعاداته، رغم انها قناة رسمية وأن تمويلها من دافع الضرائب في الأراضي المحتلة.

لعب نتنياهو على وتر أمور خدماتية تمسّ "فلسطينيي 48" و"مكافحة الجريمة" المستشرية في مدنهم وقُراهم، وادّعى انه فتح خمسة مراكز للشرطة الاسرائيلية في البلدات العربية لمعالجة الجريمة، وأنه حوّل ميزانية قدرها 15 مليار شيكل إلى السلطات المحلية في السنوات الخمس الاخيرة لتحسين الخدمة لهم.. مروراً باتفاقيات التطبيع التي أبرمها مع دول عربية في الأشهر الاخيرة، مُروّجاً أن ذلك قد مكّن فلسطينيي 48 من زيارة هذه الدول من دون معوقات.

"أبو يائير جاييكم".. بهذه الكنية على الطريقة العربية، نطق نتنياهو، وتصدرت العبارة لافتات على مداخل بلدات وقرى عربية محدودة، رغبةً في دغدغة بعض فلسطينيي 48 واستعطافهم. إذ أجرى نتنياهو زيارات ميدانية لتلك المناطق، للقول إنه لا يكتفي بمخاطبتهم فقط بـ"الإعلام"، بل ويأتيهم "شخصياً ويكلمهم وجهاً لوجه.. وهو ما أحدث مواجهات عنيفة بين متظاهرين فلسطينيين والشرطة الاسرائيلية في أم الفحم غضباً على زيارة نتنياهو.

لعلّ أبرز زيارات نتنياهو كانت لقرية ترابين البدوية بالنقب، فصبّ القهوة بيده لنفسه ولـ"الشيخ" الذي بجانبه، ناشراً فيديو يوثق اللحظة في موقع "تيك توك" وحتى في "فايسبوك".. وأطلق على هامشها وعداً بتحويل مليار و500 مليون شيكل إضافي لمكافحة "العنف" في الوسط العربي. 

انتهازية نتنياهو تجلّت عندما خطب في البدو الذين استقبلوه على وقع سياسة الاحتلال التي تستهدف وجودهم عبر هدم قراهم بشكل مستمر بحجة عدم الترخيص.. ثم قال لهم "سأغير هذه القضية بصورة تامة، وسنغير بأنفسنا في مقابل أن تغيروا بأنفسكم أيضاً". حتى أن نجل نتنياهو كان حاضراً في مشهد الدعاية الانتخابية المُستهدِفة لفلسطينيي 48، وذلك عندما نشر في صفحته الفايسبوكية، صورة لنتنياهو وفيها شعار حملة مساندة له بعنوان "كلنا معك ابو يائير"، وذلك بعد انتشار فيديو لنتنياهو أعرب فيه عن "تأثره" لسماع هتافات عربية مرددةً "أبو يائير"!

الواقع، ان نتنياهو مهّد لحملته الدعائية المذكورة، بأن ساهم في شقّ اللائحة "المشتركة"، والتسبب في استقطاب هو الأخطر في صفوف فلسطينيي 48، نتيجة ولادة اللائحة "الموحدة" التي تمثل الحركة الإسلامية-الجناح الجنوبي في مواجهة "المشتركة"، ما خلق خطابين متضادين هما "التخوين والتكفير".

حدث هذا نتيجة لعبة أداها نتنياهو مع النائب منصور عباس، كما تقول أحزاب "المشتركة"، قائلة "إن منصور تحالف مع نتنياهو لتفتيت المشتركة". ولتغذية الاستقطاب، ساهم مكتب نتنياهو في تسريب اتفاق مزعوم بين منصور عباس ونتنياهو، تحت عنوان "لن ينال فلسطينيو 48 شيئاً ماداموا غير فاعلين في السياسة الإسرائيلية".. لكنّ منصور عباس يروّج بأن مُقاربته القائمة على عدم الدخول في صراع المعسكرات الإسرائيلية هي الأكثر جدوى.

مهما كانت الاتهامات والتبريرات، فإن نتيجة واحدة أفادت نتنياهو، وهي أن أوساطاً فلسطينية في أراضي 48 مُحبطة من أداء احزابها، وهو ما يجعل العديد منهم يستنكفون عن التصويت، او تذهب أصوات جزء منهم لصالح الأحزاب الصهيونية، لا سيما الليكود الذي يتزعمه نتنياهو.. فهناك حالة غضب شديدة تنتاب فئات من فلسطينيي الخط الأخضر من منطلق أن أحزابهم "لم تأتِ لهم بشيء". 

واستغلّ نتنياهو هذه الحالة عندما صرح قائلاً: "لا تعتمدوا على أحزابكم، فهي لن تفعل لكم شيئاً".. ثم اختتم باكورة وعوده للعرب عشية الانتخابات، قائلاً: "قريباً ستُحل مشكلة الحج والعمرة، عبر تسيير طائرات مباشرة إلى مكة، ما يخفف عنكم عناء السفر". ويأمل نتنياهو من ذلك كله، أن تكون خسارة الأحزاب العربية مقعدين إلى ثلاثة، لصالحه، وذلك بأن يكسب المقاعد التي تتم خسارتها، خصوصاً أن استطلاعات الرأي تشير إلى أن الفارق بين المعسكر الداعم لنتنياهو وذلك الرافض له، قليل جداً. ويتجلّى نفاقُ نتنياهو مع فلسطينيي 48 وتناقضه، عندما تحالف مع النقيض بحثاً عن فائض أصوات، وهو حزب "الصهيونيين القوميين" الذي ينادي بطرد السكان الفلسطينيين. وكان هذا الحزب في الانتخابات الماضية منبوذاً.