بهجت سليمان.. مثقفون وصحافيون يروون ذكرياتهم مع "الشرطي الطيب"

المدن - ميديا
الخميس   2021/02/25
رغم أن شهرته كسفير سابق للنظام السوري في الأردن، فاقت ربما على بقية المناصب الأمنية والعسكرية التي تولاها، فإن اللواء بهجت سليمان الذي فارق الحياة، الخميس، نتيجة إصابته بفيروس كورونا المستجد، المغرم طوال حياته بالتعريف عن نفسه كمثقف، كان له دور بارز في قمع الناشطين والصحافيين والمثقفين طوال عقود في سوريا الأسد.

وترأس سليمان رئاسة "الفرع 251" في إدارة المخابرات العامة العام 1998، قبل ترقيته إلى رتبة لواء، وبقي في الفرع سيء السمعة والمعروف بتسمية "فرع الخطيب" حتى العام 2005 إثر تعيينات أمنية في سوريا، وكان من أبرز الداعمين لبشار الأسد ولعب دوراً مهماً في تمكينه في الحكم، بعد وفاة حافظ الأسد العام 2000.

ويرتبط سليمان بتاريخ طويل من القمع، منذ ثمانيينات القرن الماضي، وإن كان دوره في كم أفواه الصحافيين ومراقبة الفضاء العام كانت أبرز مطلع الألفية، حيث يرتبط بوأد حركة "ربيع دمشق"، فيما تتحدث تقارير إعلامية عن دوره في إغلاق المنتديات واعتقال الناشطين. بالإضافة للقاءاته الدائمة مع المثقفين والإعلاميين والترويج لسياسة "التطوير والتحديث" التي أطلقها بشار الأسد كشعار له في سنوات حكمه الأولى.

وعمل سليمان مع العماد آصف شوكت، زوج بشرى الأسد الذي قتل في تفجير مبنى الأمن القومي العام 2012، في السنوات الأولى من حكم بشار، كوجهين لعملة واحدة. فالأول مثل دور "الشرطي الطيب" والآخر كان "الشرطي السيء"، في طريقة تعاملهما مع الصحافيين والمثقفين. وكان سليمان يروج لنفسه كمثقف حاضن للحوار والثاني كان عسكرياً متزمتاً يمثل القمع التقليدي.

على أن تلك اللعبة المكشوفة لا تنطلي على أحد. ففرع الخطيب معروف منذ عقود بكونه واحداً من أسوأ الأفرع الأمنية في سوريا الأسد، من ناحية أساليب التعذيب والتحقيق. وبحسب تقارير حقوقية، فإن الفرع كان يتلقى التقارير الأمنية، كما كان يشرف على اعطاء الموافقات الأمنية للطلاب في الجامعات والمعاهد السورية وفيه اضبارة لكل طالب جامعي، وزادت سمعته سوءاً بعد الثورة السورية العام 2011، من ناحية تحويل الموقوفين إليه بتهمة التظاهر.

ولم يتوقف دور سليمان الإعلامي هنا، حيث سرد صحافيون سوريون تجاربهم الشخصية معه وكيف أشرف شخصياً على مراقبة الإعلام واستدعاء الصحافيين للاستجواب. على سبيل المثال كتب الصحافي شعبان عبود عبر صفحته الشخصية في "فايسبوك" أن فرع الخطيب استدعاه في شباط/فبراير العام 2004 حيث كان سليمان غاضباً منه بسبب مقال له في صحيفة "النهار" اللبنانية بعنوان "كأس أميركا المرفوعة في مقهى دمشقي.

وأكمل سليمان بأن "اللواء بهجت صرخ وهدد وتوعد واعتبرني عميلا أميركياً لكن ربما لم يشأ أن يُحدث ضجة باعتقالي. اعتقال مراسل صحافي. خرجت من هناك كما لو أني ولدت من جديد"، موضحاً أن تلك لم تكن حادثة الاستدعاء الوحيدة له إلى الفرع المذكور، ففي العام 2000 كان سليمان غاضباً منه أيضاً بسبب مقال في "النهار" أيضاً حول تاريخ النشاط السياسي في مقاهي دمشق.

ذات يوم من شهر شباط في عام 2004 استدعاني العميد "تركي علم الدين" من فرع الأمن الداخلي - فرع الخطيب- وطلب مني على الهاتف...

Posted by Shaban Abboud on Thursday, February 25, 2021


والحال أن الفرع حينها كان يراقب بريد الصحافيين وكتاباتهم في وسائل الإعلام العربية. ولم يكن هنالك إنترنت أو وسائل أخرى للاتصال باستثناء البريد التقليدي، فيما تجاوز دور سليمان تلك الرقابة، نحو تجنيد إعلاميين ومثقفين لصالح النظام السوري، بالأسلوب نفسه القائم على تقديم نفسه كمثقف محب للحوار، وهو ما رصدته تقارير إعلامية خلال السنوات الماضية، حيث تعاظم ذلك الدور بعد انتشار مواقع التواصل الاجتماعي، وكان صفحة سليمان في "فايسبوك" مثالاً على ذلك.

على أن الشرطي السيئ كان ينبثق من داخل سليمان من حين إلى آخر على العلن، ففي العام 2017 مثلاً اتهم سليمان الإعلامي اللبناني سامي كليب بالعمالة للمخابرات الفرنسية ووصفه بأنه "لغم" في قناة "الميادين" الحليفة للنظام، على خلفية نشرها حينها عدداً من الرسائل التي وصلته، طالباً من متابعيه في "فايسبوك" قراءتها والتفكر فيها لمحاولة معرفة ما إذا كان ما يثار فيها يقع ضمن "المؤامرة" على سوريا أم إنه واقع وحقيقة.

ولم تعجب الرسائل التي نشرها كليب، سليمان، لكونها تتهم الدولة السورية بممارسة الإرهاب في سجونها وعلى حواجزها العسكرية، وقال كاتبها أن النظام السوري لا يمكنه قيادة البلاد لأنه أصبح موغلاً بالجريمة. علماً أن سليمان استهدف كليب أيضاً العام 2015، نتيجة سطر في مقال له بجريدة "الأخبار" اللبنانية، قال فيه أن النظام في سوريا احتقر المعارضة منذ البداية وأنه ليس بريئاً من الدم والدمار الذي حدث.

ويلاحظ ذلك الموقف أيضاً تجاه موقع "روسيا اليوم" ووسائل إعلام روسية أخرى، نشرت مقالات ناقدة للأسد شخصياً، بالإضافة إلى مجموعة من استطلاعات الرأي التي درست شعبية الأسد في مناطق سيطرة النظام، وأظهرت انخفاضاً حاداً في شعبيته، ما يهدد فوزه في أي انتخابات ديموقراطية في البلاد في حال حصولها، بما في ذلك استطلاع رأي أجراه مركز دراسات مقرب من الكرملين.

وتصدر اسم سليمان بياناً وقع عليه نحو 300 شخصية موالية للنظام، وجهوه للقيادة الروسية في أيار/مايو الماضي، للمطالبة بمنع تكرار الإساءة للأسد أو العلاقات الروسية السورية حسب تعبيرهم.