النظام السوري يفتح منابره لمهاجمة الإسلام

وليد بركسية
الخميس   2021/12/02
فراس السواح ضيف "الإخبارية السورية"
فتح النظام السوري منابره لمهاجمة الإسلام، محاولاً ربما إبعاد صفة الإسلاموية عن الدولة أمام جمهوره من الطوائف والأديان الأخرى، بما في ذلك تيار العلمانيين، عبر لقاء مع المفكر في تاريخ الأديان فراس السواح الذي يبدو، في الشكل وكأنه يقدم للمرة الأولى، على الشاشة الرسمية، تفكيكاً للإسلام بوصفه جزءاً من التاريخ، وليس ديناً يتحلى بالقدسية ويشكل أزمة عالمية معاصرة، حسب تعبير الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، عطفاً على الانغلاق الذي تعيشه المجتمعات المسلمة ويحوّل النصوص المقدسة إلى منبع للتطرف والكراهية والإرهاب.


السواح (80 عاماً) الذي احتجب إلى حد كبير عن اللقاءات الإعلامية والتصريحات طوال عشر سنوات تقريباً، بعد موقفه الضبابي من الثورة السورية ووصمها بالإسلاموية منذ أيامها السلمية الأولى، وإغلاقه صفحته الشخصية في "فايسبوك" حينها، ظهر في لقاء مع قناة "الإخبارية السورية"، مجّد فيها النظام السوري و"انتصاره على الإرهاب" وهاجم الدول الغربية، كما هو متوقع، وتحدث عن ضرورة التحالف مع الصين التي أقام فيها سابقاً لسنوات، وغيرها من التصريحات السياسية. لكن تصريحاته عن النبي محمد، وحوادث مشكوك في صحتها كالإسراء والمعراج، وقدسية القرآن مقابل عدم قدسية الأحاديث النبوية وغيرها، كانت لافتة للانتباه. فرغم أنها ليس مواقف جديدة أو كافية للقول أنها تشكل خرقاً في دراسة النصوص الإسلامية بطريقة منهجية علمية، فإنها تبقى جديدة بالنسبة للإعلام السوري.



ولا يمكن فهم اللقاء بعيداً من المشهد الأوسع في البلاد، وتحديداً بعد إقالة مفتي الجمهورية أحمد بدر الدين حسون، وإلغاء منصبه وإعطاء صلاحياته للمجلس العلمي الفقهي التابع لوزارة الأوقاف، قبل أسابيع، والغضب الشعبي الذي واجهه النظام من موالين رأوا أن وزارة الأوقاف برئاسة الوزير محمد عبد الستار السيد تحظى بنفوذ هائل في البلاد التي باتت شديدة الأسلمة مقارنة مع الوهم السابق بأن سوريا الأسد دولة علمانية، والذي تهاوى تدريجياً في السنوات الأخيرة مع القرارات التي أصدرها رئيس النظام بشار الأسد، وسمح فيها للوزارة بتشكيل فرق دينية شبابية بشكل مخالف للدستور والحق في الرقابة على وزارات الإعلام والتربية والتعليم العالي، فضلاً عن نيل تيار "القبيسيات" الديني الرضا الرسمي أخيراً، في وقت بات فيه الأسد شخصياً يلتقي دورياً مع رجال الدين ويلقي خطابات وطنية داخل المساجد.

وفيما لم تكن سوريا دولة دينية بالكامل، على غرار السعودية وإيران، فإنها أيضاً لم تكن دولة علمانية بالكامل مثلما تكرر البروباغندا الرسمية. فالدستور السوري يحدد الفقه الإسلامي مرجعاً رئيسياً للتشريع، ويحدد دين الرئيس بالإسلام، بالإضافة إلى وجود الطائفية الدينية ضمن قانون الأحوال الشخصية المخجل. وكانت هوية الدولة بالتالي، طريقة النظام في مخاطبة الجمهور المحلي أولاً، والدول الغربية ثانياً، عبر تصدير نفسه كحامٍ للأقليات في شرق المتوسط أو كحارس للبوابة عبر حماية الغرب من التطرف الإسلامي.

ولكي يكتمل الانفصام الرسمي المعتاد، بثت قناة "الفضائية السورية" لقاء مع وزير الأوقاف، بالتوازي مع لقاء السواح عبر "الإخبارية"، تحدث فيه عن إسلامية الدولة السورية من جهة وكيف كان إلغاء منصب المفتي تصحيحاً لخطأ تاريخي اقترفه "الاحتلال العثماني التركي" لسوريا قبل قرون من الزمن. وبالطبع فإن ذلك اللقاء كان مخاطبة لجمهور المحافظين داخل البلاد، الذين لن يتقبلوا تصريحات كتلك التي يدلي بها السواح، أو الذين سيشعرون بالخوف والغضب من فكرة انتقاد الإسلام عبر الشاشة الرسمية.

لكن المشترك بين اللقائين، على اختلافهما، هو الاتفاق على أن النسخة السورية من الإسلام هي التي تمثل الإسلام الصحيح. فرغم الصدمة الأولى التي قد يشعر بها المتدينون عند سماع ما يقوله السواح من انتقادات للتاريخ الإسلامي، والتي عبّروا عنها في مواقع التواصل، فإن تلك الانتقادات تبقى بعيدة من العمق اللازم للتفاعل مع الكلام عن سياق تاريخي لتحليل الإسلام ضمن منهجية أكاديمية. ويمكن الدلالة على ذلك في حديث السواح عن أن قبيلة قريش لم تكن قبيلة عربية، بل كانت قبيلة سورية هاجرت إلى مكة، وأن الإسلام بالتالي كان ديناً سورياً.



مشكلة حديث السواح من ناحية دينية وبحثية، أنه لا ينزع القدسية عن كامل النصوص الإسلامية، ولا يدعو لمراجعتها بالكامل باعتبارها منبعاً للتطرف، فهو يعطي القدسية للقرآن على حساب الأحاديث النبوية لا أكثر. ويتقاطع ذلك مع دعوات الوزير السيد نفسه، لمراجعة الخطاب الديني التقليدي، بوصفه وهابياً على سبيل المثال. وبالتالي فإن ما يصدر عن السواح يبقى ضمن المسموح به، ولا يصل إلى حد ازدراء الأديان أو الإلحاد، على سبيل المثال، وهي جرائم يعاقب عليها القانون السوري "العلماني".

وهكذا، يتم تصدير أسماء كالسواح، على أنها ناقدة وعلمانية وجريئة، لكن ما تقدمه يصب في مصلحة خطاب السلطة وإعادة تدويره. ولا يختلف المشهد بين تونس أو السعودية أو مصر، لكنه يبقى أوضح بكثير في سوريا الأسد، عطفاً على الطبيعة الديكتاتورية الفاقعة للنظام طوال خمسة عقود. كما أن ما يقدمه الأفراد أنفسهم في مواقع التواصل، وما توفره التكنولوجيا لهم من إمكانية وصول إلى المعلومات، يجعل ما يقدمه أولئك المثقفون هزيلاً وضحلاً ومضحكاً في آن معاً.

لعل الأبحاث والدراسات العربية العلمية/اللادينية عن تاريخ الإسلام، ليست متوافرة بالقدر والكمّ الذي يستدعيه هذا الموضوع الحيوي والجذري في المجتمعات العربية. والرصين المحكم منها، ليس "شعبياً"، يتطلب نبشاً وسعياً للحصول عليه من قبل المهتمين، وغالباً ما يكون ممنوعاً أو خاضعاً للرقابة ناهيك عن اضطهاد الضالعين فيه. أما الدراسات الغربية، فتُهاجَم من زاوية "عداء الغرب للإسلام والعرب"، أو تغيّبها السلطات في الدول الإسلامية، ومن بينها سوريا، ما يمهد لمشكلة تصريحات السواح من الناحية السياسية، حيث السلطة مشكلة في حد ذاتها لأنها ترعى التطرف الإسلامي وتدّعي محاربته في الوقت نفسه. ويصبح تمثيلها للإسلام وحمايتها للقيم المحافظة، المدخل الوحيد لنيل الشرعية أمام الشعوب المحافظة.