إسرائيل تطمح لإنقسام لبناني تجاه التطبيع!

أدهم مناصرة
الخميس   2021/11/04
على الحدود (غيتي)
"لبنان دولة الجوار الثالثة التي يتوق الإسرائيليون لزيارتها، بعد الإمارات والمغرب". هذا ما نشرته صفحة "إسرائيل بالعربية" في "فايسبوك" إستناداً إلى استطلاع أجراه معهد "ميتفيم" للسياسات الخارجية الإقليمية مؤخراً، زعم أن الجمهور الإسرائيلي يعطي أولوية للبنان، أكثر من مصر والسعودية، في لائحة الدول الأكثر تفضيلاً لزيارتها. وعلقت صفحة "إسرائيل بالعربية" على نتيجة الإستطلاع، قائلة: "في السلام وئام".


ومعهد "ميتفيم" يواظب على نشر الدراسات والتقارير والإستطلاعات، التي تُطبّع وجود إسرائيل في المنطقة، كجسم حتمي، بما يعزز علاقاتها في الشرق الأوسط والعالم، علماً أن المعهد تأسس العام 1996، ويشارك إسرائيليون وأوروبيون وآخرون من جنسيات مختلفة، في صناعة محتواه المُوجّه، الذي يشكّل دعاية خادمة للتطبيع مع إسرائيل وتجميل وجهها الإحتلالي، تحت غطاء "دفع السلام الفلسطيني الإسرائيلي قُدماً".

والحال أن استطلاع "ميتفيم"، ينسجم مع العديد من المنشورات والفيديوهات، في صفحات إسرائيلية رسمية، من منطلق محاولات اختراق الوعي اللبناني المعادي لإسرائيل، عبر استغلال الظروف الصعبة التي يعيشها لبنان، لعلّها تجعل مسألة التطبيع مع إسرائيل، أو على الأقل، التعاطي معها، أكثر حيادية وأقل عداءً، كقضية خاضعة للإنقسام بين اللبنانيين وتباين وجهات نظرهم، لا كموقف وجودي ضدها.

وهكذا، تأتي صفحة "كابتين إيلا" الفايسبوكية، التي تندرج ضمن الماكينة الإعلامية للجيش الإسرائيلي، لتنشر بين الفينة والأخرى، فيديوهات قصيرة لمجنّدات إسرائيلية يتحدثن عن حلمهن بزيارة لبنان، أو يُغنّينَ لفنانين لبنانيين بارزين. وهو الأمر ذاته، الذي تقوم به صفحة "افيخاي ادرعي" الناطق بلسان جيش الإحتلال، في الموقع الأرزق، في محاولات لتزوير وجه الإحتلال الحقيقي واستمالة فئات لبنانية معينة، عبر تكرار الشيء "غير العادي"، ليصبح عادياً، ولو بعد حين.

وتنضم الصحف الإسرائيلية، سواء كانت يمينية أو يسارية، إلى مهمة تقسيم اللبنانيين في قضية التعاطي مع إسرائيل وقبولها كأمر واقع، وصولاً إلى الحث على "التعاون المُشترك" إنقاذاً للبنان. فصحيفة "إسرائيل اليوم"، المقربة من المعارضة اليمينية بزعامة بنيامين نتنياهو، تذهب إلى تقسيم ضمني لشيعة لبنان لدقّ أسفين داخلي، عبر الإيحاء بأن هناك أصواتاً شيعية تبدو براغماتية حيال دولة الإحتلال حدّ "الصراحة"، في مقابل الشيعة الذين يحملون شعار مواجهة إسرائيل تحت عباءة حزب الله.

وبرز هذا التقسيم للبنانيين، بإضافة الصحيفة العبرية توصيفاً طائفياً للصحافي اللبناني نديم قطيش، حينما أشارت إلى أنه "شيعي"، يُنادي، في مقال كتبه في صحيفة "الشرق الأوسط" قبل أسبوعين، بـ"السلام مع إسرائيل؛ لأنه سيُفيد الإقتصاد اللبناني المنهار". ونقلت "اسرائيل اليوم"، أيضاً، عن مقال قطيش، بأنه اعتبر أن حزب الله يحتجز لبنان رهينة ويمنعها من التوصل إلى التطبيع مع إسرائيل، واستثمار موارده من الطاقة والغاز في البحر المتوسط.

وحاولت الصحيفة الإسرائيلية تطويع مقال الصحافي اللبناني بطريقة تخدم هدف إسرائيل من وراء أي مفاوضات لترسيم الحدود البحرية مع لبنان، وهو خلق حالة تعاونية مشتركة بين الجانبين، ولو كان اضطرارياً في بادئ الأمر، ما يعني إخراج لبنان من دائرة الصراع إلى مربع التطبيع، أو على الأقل، تحييده عن المواجهة.

ولعبت الصحيفة العبرية على مجموعة من الأسئلة التي طرحها قطيش في مقاله، للتقليل من قيمة النهج اللبناني الرسمي والشعبي المُواجه للتطبيع مع دولة الإحتلال: "هل يمكن للبنان أن يتأكد من أن مختبرات الأدوية في جميع أنحاء العالم لا يوجد فيها إسرائيليون يعملون في مجال البحث والتطوير؟ وماذا عن الفلاسفة الإسرائيليين، البارزين في العالم، مثل يوفال هراري ودانييل كانيمان؟ هل يمكنهم التأكد من أن ما يشاهدونه على Netflix وعلى منصات الترفيه المماثلة خالٍ من المحتوى الإسرائيلي؟".

هُنا، تتلقف الدعاية الإسرائيلية تساؤلات قطيش، كي تُرسّخ ثلاث مزاعم: الأول، أن وجود إسرائيل "مكسب للبشرية علمياً وحضرياً وفلسفياً"، إضافة إلى إبراز الزعم المستمر، المليء بالعنصرية، عبر طرح اليهودي والإسرائيلي باعتباره الأكثر إثراء للعلم والحضارة، وكأن الأمر مرتبط بدين أو قومية بعينها! أما الدعاية الثالثة، فهي الدفع إلى الإستخفاف بجهود المقاطعة لإسرائيل، عبر القول "إن الأخيرة موجودة في تفاصيل الحياة اليومية للعرب والعالم، فما جدوى القطيعة ورفض التطبيع؟!"

أما السفير الإسرائيلي الأسبق لدى مصر، يتسحق ليفانون، فذهب إلى اقتناص الأزمة بين لبنان ودول الخليج، إثر تصريحات وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي حول حرب اليمن، كي يظهر إسرائيل، كطرف مستعد للتدخل والوساطة والإسهام في حلّ الأزمة.

وأظهر الدبلوماسي السابق ليفانون، وهو يهودي من أصل لبناني، إسرائيل، وكأنها الطرف الأقدر على إطفاء الحريق بين السعودية ولبنان، في انتهازية إسرائيلية لتعميق الإنقسام اللبناني، وانسجاماً مع مخاوف تل أبيب من أن هذه الأزمة وسحب سفراء الخليج، ينطوي على خطورة تتمثل بإفساح المجال أكثر أمام التغلغل الإيراني في بلد الأرز.

وهنا، دعا ليفانون إلى "شجاعة سياسية" من إسرائيل "المهتمة باستقرار لبنان"، لإستثمار ما وصفها بعلاقاتها مع السعودية. وتابع: "يجب عليها المساعدة فقط، والدفع قدماً بلبنان إلى الحياد بالنزاعات الإقليمية". وفي المقابل، رأت أصوات يمينية في إسرائيل، أن هناك وهماً لدى بعض الإسرائيليين حول إمكانات التطبيع مع لبنان أو خلق علاقة جديدة في الأمد المنظور. وأضافت هذه الأصوات أن لبنان أصبح "دولة حزب الله"، ما يجعل موضوع التطبيع مع بلد الأرز، سابقاً لأوانه.