تشويش إسرائيلي على الانتخابات الرئاسية اللبنانية..إطاحة حظوظ قائد الجيش

أدهم مناصرة
الإثنين   2021/11/29
ثاني انخراط أمني اسرائيلي في الانتخابات الرئاسية اللبنانية بفاصل 40 عاماً (أرشيف)
أوجدت المؤسسة الامنية الاسرائيلية هامشاً للتدخل والتأثير في الانتخابات الرئاسية اللبنانية، عبر تسريبات اعلامية تؤيد فيها طرفاً مقابل آخر، في أول محاولة للتدخل المباشر في استحقاق رسمي لبناني منذ 40 عاماً، يعكس مستوى الاهتمام الرسمي، السياسي والأمني، بملف حيوي وإشكالي لبناني، ستزيده تعقيداً. 

وتخصيص صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية مقالاً تحليلياً، بعنوان "مَن سيكون رئيس لبنان..قائد الجيش أم صهر عون؟"، يُظهر ترقب إسرائيل المتعاظم للإنتخابات الرئاسية اللبنانية الموعودة، بموازاة محاولة التأثير في الاستحقاق الاشكالي، بواسطة التضليل والدعاية. وهو ما برز في تزكية قائد الجيش العماد جوزيف عون، في وجه رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل، وأضرّت بالأول بشكل كبير، وخلطت الأوراق مرة أخرى. 

في العادة، لا يبني كاتب المقال، تسيفي برئيل، وغيره من المحللين الإسرائيليين المتخصصين، قراءاتهم وتحليلاتهم حول أي مسألة، وفق منظور شخصي. تُبنى نظرتهم التحليلية على دراسات إسرائيلية مؤسساتية. وفي أحيان كثيرة، تُكتب المقالات والتحليلات، بعد إحاطة إعلامية يجريها قادة الأمن الإسرائيلي مع مجموعة ضيقة من الصحافيين والمحللين المتخصصين في مواضيع معينة، بين الفينة والأخرى، بغية تمكينهم من استثمار المعلومات والقراءات الواردة في هذه الإحاطة، مِن قبل مسؤول أمني ما، في كتابة المقالات والمعالجات الصحافية المختلفة. 

وهذا يقودنا إلى الإستنتاج، أن مقال "هآرتس" بخصوص المرشحين الأبرز لخلافة ميشال عون في رئاسة الجمهورية اللبنانية، ليس مجرّد "وجهة نظر"، بل يعكس رؤية أو دعاية المؤسسة الرسمية، بطريقة أو بأخرى.

تبدو إسرائيل، وكأنها تحاول، مِن خلال عقد مقارنة بين صهر الرئيس اللبناني (جبران باسيل)، وقائد الجيش جوزيف عون، بوصفهما مرشحين لمنصب "رئاسة الجمهورية"، أن تُزكّي، ضمناً، مرشحاً بعينه، من خلال استعراض خصائص مهنية وشعبية لقائد الجيش، وربما المقصد أن تخلق أزمة داخلية في لبنان، ليكون ملف الرئاسة أكثر تعقيداً.

ويُعتبر هذا الانخراط الإسرائيلي الثاني في موضوع الإنتخابات الرئاسية اللبنانية، وإن اختلف الأسلوب بين الأمس واليوم.. ففي العام 1982، كان هناك صراع تصدّرته إسرائيل علانيةً، حول مرشّحَين اثنين للإنتخابات الرئاسية اللبنانية، هما كميل شمعون وبشير الجميل، وهو ما أكده كتابُ مذكّرات لنائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي، بعنوان "أجمل التاريخ كان غداً".

لكن المفارقة، أن الإنخراط الإسرائيلي في الإنتخابات الرئاسية اللبنانية، مطلع الثمانينيات، كان مباشراً؛ لأن لبنان كان واقعاً تحت الإحتلال آنذاك. غير أنّ تل أبيب التي تسعى للتدخل الآن، خِلسة وعلانيةً، لا تملك النفوذ والتأثير في المرشّحين (العوني جبران باسيل، والعسكري جوزيف عون)، بقدر ما تمتلك قدرة على التشويش، وتزكية الصراعات الداخلية اللبنانية. 

بهذا المقال الذي كتبه أحد الكتّاب الجديين في "هآرتس"، والمعروف بارتباطه بالمؤسسة الأمنية والسياسية الاسرائيلية، هي تضر بقائد الجيش اللبناني، عند الحديث عن إيجابياته ومميزاته التي تجعله الأنسب لرئاسة لبنان؛ لأن دولة الإحتلال تريد أساساً الإضرار بجوزيف عون، كما يُجمع مراقبون، عبر جعله جدلياً في الداخل اللبناني، من منطلق أن إسرائيل تحاول تزكيته لهذا الموقع.. والهدف، هو استبعاد أي شخص مهني، قد يُجمع عليه اللبنانيون، مِن شأنه أن يخرج لبنان من ضائقته، فيبقى لبنان متفككاً وضعيفاً ويزداد انحداره في الأزمة. 

بالغوص أكثر في مقال "هآرتس"، فإنه يستبق مقارنته بين قائد الجيش وصهر الرئيس، جبران باسيل، عبر الإدعاء بأن "معركة الإنتخابات" بين الفرقاء اللبنانيين، قد بدأت فعلاً. وضربت مثالاً، بـ"إستغلال حزب الله وزير الإعلام جورج قرداحي كبيدق، في مسعى للتأثير في الانتخابات".. لكن الصحيفة العبرية، تنوّه بأن "اللاعبين الجدد" في الخريطة السياسية اللبنانية سريعة التغير، يهددون خطة الحزب وحلفائه.

ويقول تسيفي برئيل، في مقاله، إن "حزب الله" يمنع اجتماع الحكومة بذريعة الوزير قرداحي. بيدَ أنّ مدة تعطيل اجتماع الحكومة "تعتمد على نجاح مساومة حزب الله مع الرئيس ووزراء لبنانيين آخرين حول موضوع آخر بالكامل، ألا وهو الإنتخابات". ففي الربيع المقبل، من المقرر إجراء انتخابات برلمانية لبنانية، ولأن البرلمان هو من يختار الرئيس، فمن المهم لحزب الله التأكد من أن البرلمان الجديد يناسبه، حسب تعبير "هآرتس".

وهنا، يتحدث برئيل عن تلاقي مصالح بين حزب الله والرئيس الثمانيني ميشال عون، والذي من المتوقع أن تنتهي ولايته قريباً. ويتابع الكاتب الإسرائيلي: "يريد عون تمهيد الطريق لإنتخاب صهره جبران باسيل حليف حزب الله. المشكلة هي أن باسيل، الذي فرضت عليه الإدارة الأميركية عقوبات، لا يحظى بشعبية كبيرة لدى الجمهور، حسب ما ذكرت "هآرتس". و"قد تثبت انتخابات مارس/آذار (النيابية) ضعفه السياسي، وتقلل من فرصه في أن يصبح رئيساً".

ويعتقد برئيل أنه يتعيّن على حزب الله وعون التعامل مع نجم آخر يضيء الأجواء السياسية اللبنانية، ألا وهو قائد الجيش اللبناني جوزيف عون، "الذي لا يُخفي نيته في أن يكون بديلاً لميشال عون"، وهي مزاعم اسرائيلية لا أساس لها من الصحة، تستند الى تقديرات اعلامية لبنانية فقط، إذ لم يعبر قائد الجيش اللبناني بتاتاً عن هذا التوجه، لا في السر ولا في العلن، ويقوم بواجباته العسكرية كاملة، ويجول العالم للتخفيف من تداعيات الأزمات المعيشية عن العسكريين الى جانب استكمال المهام العسكرية الملقاة على عاتق الجيش داخل البلاد وعلى حدودها الشمالية والشرقية والجنوبية. 

وبناء على مقال "هآرتس"، الذي يستلهم معطياته من المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، فإن قائد الجيش "يتميز بشعبية بين الناس، من بين أمور أخرى"؛ لأنه، "كان قادراً على إبعاد الجيش عن السياسة، قدر الإمكان في لبنان". كما أنه، خلال الإحتجاجات الأخيرة في بيروت، "كان يُنظر إليه على أنه يدعم المتظاهرين". وفي مايو/أيار، أثناء زيارته لفرنسا، استقبله الرئيس إيمانويل ماكرون وكأنه رئيس دولة. كما أن علاقاته مع الولايات المتحدة، حيث درس، وثيقة للغاية. وتزعم الصحيفة أنها "لا تقل أهمية عن علاقاته الجيدة مع حسن نصر الله"، فضلاً عن أنه "ليس على ودّ مع صهر الرئيس"، حسب "هآرتس".

ولأنّ الأمور تُقرأ بما وراء التعبير والتوصيف، خصوصاً إذا تعلق الأمر برؤية إسرائيل لمجريات الأمور في دولة تعتبرها "عدوّة"، فإنّ متخصصين في الشأن الإسرائيلي يعتقدون أن مديح وسائل إعلام عبرية لقائد الجيش اللبناني، يعكس خشية إسرائيلية من مهنية وتأثير هذا العسكري اللبناني والكاريزما التي يتمتع بها، باتجاه يُمكن أن يُخرج لبنان من عنق الزجاجة.

فجوزيف عون نفسه، شنت عليه إسرائيل، خلال مفاوضات ترسيم الحدود البحرية العام الماضي، حملة دعائية شرسة، متهمة إياه بأنه رهينة لموقف حزب الله، وأنه، بسبب موقفه الصلب في المفاوضات، قد أفشل محادثات الترسيم.

وبالعودة إلى الإنتخابات النيابية اللبنانية الموعودة وبعدها الرئاسية، فإن "هآرتس" تعتقد أنها ما زالت بعيدة، خصوصاً عند الحديث عن بلد يتغير فيه الواقع السياسي في أي لحظة.. وتضيف الصحيفة العبرية: "شهر مارس أو مايو هو الأبدية، بالتزامن مع ظرف ينفد فيه الوقود والأدوية والمنتجات الأساسية، وكذلك الأموال القليلة المتبقية في أيدي المواطنين اللبنانيين". ولم تَنس "هآرتس" أن تشير أيضاً إلى احتمال تأجيل الإنتخابات، "بهدف منح جبران باسيل فرصة شهرين حاسمين، لتنظيم وصياغة الدعم السياسي لصالحه، بغية الإلتفاف على شعبيته المتدنية".