إيران تمهّد لـ"فيدرالية خدمات" في لبنان

نور الهاشم
الأحد   2021/10/10
عرض عبد اللهيان في بيروت بناء معملي كهرباء بقدرة الف ميغاواط والاستثمار في قطاع النقل والدواء


تفتقر حملة التضامن مع رئيس بلدية الغبيري معن الخليل، وتشجيعه على المضي بمقترحه لبناء معمل للكهرباء في موقع نادي الغولف جنوب العاصمة، الى الكثير من المقاربات العلمية، وتندرج تحت اطار الشعبوية، وتخفي الانزلاق الايراني الى مشروع فيدرالي يتخذ هذه المرة عنوان الخدمات. 

والحملة الشعبية المتضامنة مع الخليل في مواقع التواصل، وتحديداً من الجمهور الشيعي، تشبه الى حد كبير الحملة السياسية المعارضة لمقترحه. الطرفان لم يقدما دليلاً علمياً، تأييداً أو رفضاً، ودارت الحجج حول نقاش مرتبط بجمالية العاصمة، وبواحدة من آخر المساحات الخضراء حول العاصمة، وبقرب الموقع من السفارة الايرانية. 
غير أن الرفض والتشجيع، لا يتخطيان الشعبوية المطلوبة ولا يقدمان أي مردود عملي، أو امكانية، لتنفيذ مشروع مشابه. فالمقترح لا يأخذ بالاعتبار إمكان رفع أعمدة البخار لمحطة حرارية قرب مهبط للطائرات المدنية، وهي عائق رئيسي أمام تنفيذ مشروع حيوي بهذا الحجم، كما يفتقد الى دراسة الأثر البيئي على العاصمة ومحيطها، حيث يقيم أكثر من مليون ونصف المليون شخص في المنطقة الممتدة من خلدة والشويفات جنوباً، الى مرفأ بيروت شمالاً  والدكوانة وقرى قضاءي بعبدا عاليه شرقاً، ومن ضمنها الضاحية الجنوبية، وهي معضلة علمية أخرى تحول دون تطبيقه. 

في الواقع، يصوّب الخليل على نادي الغولف الذي لم تدفع ادارته ما يتوجب عليها من نفقات لصالح البلدية، بسبب نزاع قضائي منذ أربع سنوات.. ويختار الحد الاقصى من الضغط، وذلك ضمن مقاربة محلية ضيقة، لا يمكن تسويقها ضمن النظام اللبناني الذي جعل النادي متنفساً لطبقة برجوازية تمارس لعبة الغولف، وتستضيف ملاعبها نواباً ومغنين من الشباب، ينتمون الى مروحة واسعة من التمثيل السياسي، وتتيح لرواد الاعمال من الكهلة فرصة التسامر ومناقشة الاعمال والصفقات على وقع كرة الغولف التي تتدحرج على روابيه الممتدة على مساحة 400 الف متر مربع. 

هذه المقاربة، تشيح النظر عن خلفية الطرح الايراني برمته، الذي يتضمن دفعاً غير مسبوق نحو فيدرالية الخدمات. تدرك ايران أن حصتها من قطاع الاعمال في مجال الطاقة في لبنان، ستكون شبه معدومة في ظل تنافس شركات غربية، وفي طليعتها فرنسية، لبناء محطات الكهرباء في لبنان، او تطوير شبكات النقل وغيرها ضمن الخطط الاصلاحية التي تسعى الحكومة لتنفيذها بدءاً من قطاع الطاقة. لذلك، ذهبت الى حجز حصتها من الكهرباء، تماماً كما حجزت حصتها في وقت سابق من قطاع المازوت والبنزين عبر توريده الى حزب الله وتوزيعه على محطات الامانة، وما سبقه من حجز حصة، ولو بسيطة، في قطاع الادوية والمواد الغذائية لمنافسة الشركات الاحتكارية في السوق اللبناني الصغير... 

فطرح وزير الخارجية الايرانية حسين أمير عبد اللهيان بناء معملي كهرباء في الجنوب وبيروت، بقدرة انتاجية تصل الى ألف ميغاواط، يضيء على اختيار ايران لمنطقتين جغرافيتين يقيم الشيعة بأغلبيتهم فيهما، ويستهلكون فيهما نحو ثلث حاجة لبنان من الكهرباء، وهي تعادل القدرة الانتاجية للمعملين اللذين اقترح عبد اللهيان بناءهما.. ما يعني أن ايران، تطرح في الخلفية، انتاج حصة الاستهلاك الشيعية من الكهرباء، قبل تثبيت العقود بين الحكومة اللبنانية وشركات غربية لتحسين الانتاج الكهربائي. 

والسباق الايراني في هذا القطاع، لا يخفي توق ايران لحجز حصتها الاستثمارية في مناطق الاستهلاك الشيعي. في بلد منخور بالطائفية، وبحصص اللاعبين الدولية الذين يرعون مصالح طوائف محددة، لا تكترث، كما سواها، ما إذا كان السباق يمهد لـ"فيدرالية خدمات". هذا الجانب هو الاكثر وضوحاً. أما الحديث عن التنفيذ، أو اختيار الموقع، فبات تفصيلاً لا يُصرف في مكان.