جوقة سلامة ضد القضاء السويسري.. ما سر هذا الحب؟!

نور الهاشم
الجمعة   2021/01/22
ما إن نشرت وكالة "رويترز" ووسائل اعلام سويسرية خبر استدعاء القضاء السويسري للإستماع الى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في ملف تحويل 400 مليون دولار الى سويسرا، حتى استنفر إعلاميون كثر ليطلقوا اتهامات إلى القضاء السويسري بملف "رشاوى"، وصولاً الى تحذيرات من إنهاء ما تبقى من قدرات لبنان، باستحضار ملف "بنك انترا" وصاحبه يوسف بيدس في الستينيات. 

عزف الإعلاميون كأوركسترا واحدة، ومنظّمة، كل حسب مهارات الإعلامية وقدراته السياسية والتاريخية، لنفي الاتهامات، أو التقليل من حيثياتها، أو التنبيه من تداعياتها على قاعدة أن الادعاء على رياض سلامة هو آخر الدنيا!

في المعلومات التي انتشرت في وسائل الإعلام، ما مفاده إن سلامة لا يخاف شيئاً، وأنه سيمثل في سويسرا بخياره، مستبعداً خيارين آخرين يتمثلان في الاستماع اليه في القضاء اللبناني، بحضور ممثل عن النيابة العامة السويسرية، وخيار الاستماع اليه في السفارة السويسرية بحضور ممثل عن النيابة العامة اللبنانية. 

في قناة "أم تي في"، ستجد مساحة واسعة من الاتهامات بحثاً عن مسؤولين عن هذه "الوشاية". تقرير عُرض، استدرج ردوداً توضيحية ضد القناة. والسؤال نفسه تكرر مع الإعلامي طوني خليفة الذي كشف عن "الشخصية التي حرضت سويسرا على رياض سلامة". وتبيّن من المقابلة، مساء الخميس، أن الشخصية هي رجل الأعمال عمر حرفوش الذي أطلق إعلانه الكاريكاتوري، قبل ثلاثة أسابيع، لحكومة لبنانية في المنفى، وهو شخصية فرقعة إعلامية لا تأثير له في أي شيء، لا في الخارج ولا في الداخل. وبالتالي، فهذا الربط وحده، كفيل بضرب مصداقية الادعاء بأكمله، طالما أن الشخصية لا تمتلك حيزاً سياسياً اعتبارياً في لبنان. 


واليوم الجمعة، شكك نقيب الصحافة اللبنانية في مصداقية القضاء السويسري، وأشار الى "قضاة مرتشين"، قائلاً: "هناك مَنْ ورّط القضاء السويسري، فأرسل له وثائق مزوّرة". وإذ تطرق الى الملايين الـ400 التي يستدعي القضاء السويسري، سلامة، للتحقيق فيها، قال: "من سوء حظ المخطِّط والمُفبرك أنّه انكشف باكراً، خصوصاً أنّ الأمر يتعلّق بمئات الملايين، بدل ما كانوا تحدثوا عنه سابقاً وقدّروه بالمليارات"... نعم، هذا نقيب الصحافة في لبنان، الذي تمتع اليوم بمهارة استثنائية في استجرار الضحك، وهو الذي أراد من مقالته كل الجدية المتوائمة مع هذا الاستدعاء الذي أغضبه كثيراً، فناشَد سويسرا بكل عنفوان أن تركّز في الساعات والشوكولا!

والحال إن معظم المداولات تحدثت عن التداعيات وذهبت الى الشخصيات المسؤولة. لم يناقش أي إعلامي بشكل جدي طبيعة الادعاء، وإمكانات حيازته مصداقية عالية. التعاطي الهزلي وغير المسؤول مع الادعاء، يخفف من وطأة الحدث وحجم جديّته للتحقيق مع مسؤول لبناني ما زال في سدة المسؤولية، وربما يدرك الكثير عن الأسباب التي أدت إلى إفلاس لبنان، وعن المسؤولين الأساسيين عن الأزمة الاقتصادية والمعيشية والمالية التي يعانيها اللبنانيون.. ويمتلك السلطة القادرة على "تأديب" أي مصرف لبناني خاص قام بحوالات مالية الى الخارج منذ 15 شهراً... فكيف الحال إذا كان مرتبطاً بتحويل أمواله الخاصة؟ 


أكثر المداولات جديّة، تحدث بها الاعلامي جورج غانم في إطلالته الأسبوعية ضمن "صار الوقت". فنّد الادعاءات المرتبطة بشبهة تبييض الأموال ومخاطرها، وأوضح مسار الأحداث وتحدث عن المبالغ المالية لناحية تعويض نهاية الخدمة، والقانون الذي يسمح أو لا يسمح بافتتاح حساب مصرفي، وتاريخ الدعوى وملابساتها، وألمح الى جهات اعلامية وسياسية تقف وراء التمهيد للحملة، ليخلص الى التنبيه مما يجري، والتحذير من تداعياته كي لا يكون لبنان أمام قضية "بنك انترا" ثانية. 

لكن الحال إن رياض سلامة "محظوظ" بمجموعة إعلامية تستميت للدفاع عنه ودحض الشبهات... أيكون الحب الصافي المُنزّه، من أجل الحب فقط؟ المؤكد أن الادعاء الأخير أثبت أن جورج غانم، وحده بين هؤلاء، يتمتع بالذكاء الكافي لتصدير "شهادته" في قضية سلامة، بينما يُعدّ الآخرون أبواقاً تسيء الى حاكم مصرف لبنان أكثر من الدعوى نفسها وإفادته المطلوبة فيها. هو التفاف إعلامي، لا يقدّم ولا يؤخّر في مسار قضائي خارج لبنان، له ظروفه ووقائعه وملابساته، يتكفل القضاء وحده بنفيه أو تأكيده.