بايدن رئيساً.. "سي إن إن" تعلن انتهاء شهر العسل

وليد بركسية
الأربعاء   2021/01/20
في سلسلة ألعاب "Legend of Zelda" الشهيرة، ينتصر الشر على مملكة "هايرول" التي تسقط في ظلام أبدي ضمن لعبة "Ocarina Of Time"، لكن بطل اللعبة "لينك" يعود من خط زمني آخر إلى الماضي لتصحيح التاريخ في لعبة "A Link To The Past" وخلق عالم بديل يعود فيه النظام إلى طبيعته. وبشكل مشابه أطلقت شبكة "سي إن إن" الأميركية وصف "A Link To The Past" على الرئيس جو بايدن في حفل تنصيبه، بعد أربع سنوات ظلامية من حكم الرئيس السابق دونالد ترامب.

ولم يكن احتفال "سي إن إن" وعشرات وسائل الإعلام الأميركية الأخرى، التي شارك مراسلوها مقطع فيديو لطائرة ترامب المروحية وهي تغادر واشنطن في "تويتر"، فرحاً بالخلاص من ترامب أو ابتهاجاً بشخص بايدن نفسه، بقدر ما كان ذلك إيذاناً بعودة النظام السياسي الأميركي إلى تقاليده التي كسرها ترامب ولم يأبه بها منذ وصوله للبيت الأبيض قبل 4 سنوات، حتى في يومه الأخير كرئيس لأكبر ديموقراطية في العالم. ولم يكن عبثاً بالتالي أن يصبح بايدن، خامس أصغر سيناتور سناً في تاريخ البلاد، وأكبر رؤسائها أيضاً، صلة وصل للماضي الذي يبدو بعيداً جداً، وكأن دهراً كاملاً مضى منذ رئاسة ترامب الفوضوية، التي أخرجت أقبح ما في الولايات المتحدة، للأميركين أنفسهم قبل بقية العالم.

وبايدن هنا، لا يمثل للإعلام الأميركي الذي خاض معركة وجودية مع ترامب الذي أطلق عليه وصف "عدو الشعب" العام 2017، بطلاً خارقاً أو حلاً سحرياً، بل شخصاً يمكن التعاطي معه باحترام ولباقة حتى عند توجيه الانتقادات اللاذعة، لا أكثر. فهو رجل ضليع في السياسة الأميركية وليس دخيلاً عليها كسلفه الآتي من عوالم العقارات وتلفزيون الواقع ودهاليز السوشيال ميديا، والذي كان أول رئيس للبلاد من دون خلفية سياسية أو عسكرية، وهو أمر مبهر من ناحية النجاح الشخصي للرجل بغض النظر عن النتيجة التي آلت إليها رئاسته، علماً أن ترامب حتى في هزيمته مازال يعطي لمحة عن الانقسام الذي تعيشها الولايات المتحدة اليوم، من ناحية امتلاكه لملايين المصوتين الذين لا يمكن إنكار وجودهم.

ولا يعني ذلك أن الإعلام الأميركي سيتحول إلى جوقة مطبلين لبايدن خلال رئاسته، لأن المعركة مع ترامب انتهت أصلاً، وكانت "سي إن إن" واضحة في ذلك ببدئها في محاسبة بايدن حتى قبل إلقائه قسم تسلم منصبه رئيساً للبلاد، خصوصاً من ناحية مراقبة أداء فريقه الذي لم تُكشف هويته بعد، وذلك خلال الأيام المئة الأولى من رئاسته، لا سيما في ملفات حساسة، أهمها اللقاح الخاص بفيروس كورونا، فيما ستمثل وعوده الانتخابية وفترة رئاسة ترامب نقاطاً يمكن الاستناد عليها في المستقبل القريب للمفاضلة والتقييم.

ومن المثير للاهتمام تركيز التغطيات الأميركية عموماً على الرمزية التي حملتها حفلة تنصيب بايدن والتي جرت وسط تشديد أمني مكثف وإجراءات صحية بسبب فيروس كورونا. فحضور الرؤساء السابقين باراك أوباما وجورج بوش وبيل كلينتون وأعضاء الكونغرس وحاكمي الولايات وأعضاء بارزين في الحزب الجمهوري تحديداً، ومن بينهم نواب كانوا يحاربون بشدة قبل أسابيع قليلة للطعن في نتائج الانتخابات، مثل السيناتور تيد كروز، يعطي إشارة بأن الديموقراطية تتعافى من أزمتها المتمثلة في ترامب نفسه، رغم أن الديموقراطية نفسها هي التي أوصلت ترامب إلى الحكم أصلاً.

ولعل ما لم يدركه ترامب حتى عند رحيله الفوضوي، وجولته فوق واشنطن الخالية شوارعها من الناس بشكل محزن، أن السيستم الأميركي يبقى أكبر وأقوى منه، لأن ذلك السيستم هو ما أوصله إلى الرئاسة أصلاً، ولهذا السبب كان استحضار التاريخ الأميركي كثيفاً، فأميركا هي دولة مؤسسات عريقة وشخصيات حضارية. وهي أيضاً تاريخ طويل من الكفاح المدني من أجل حقوق المرأة والمثليين والسود والأقليات العرقية، ترجم إلى قوانين وحقوق دستورية، وهو تاريخ ليس من السهل تجاوزه أو إلغاؤه بطبيعة الحال.

وكانت هناك دبلوماسية شديدة في التعامل مع النقطة السابقة، لأن ترامب يبقى رئيساً منتخباً مهما كان أداؤه كارثياً، وحتى لو كان المسؤول تقنياً عن غزوة الكونغرس قبل نحو أسبوعين عندما وجه أنصاره لغزو كابيتول هيل، حيث أقيمت اليوم حفلة تنصيب بايدن في أجواء باردة، ذكّرت المراسلين بيوم تنصيب أوباما، كواحدة من مقارنات تاريخية كثيرة تكررت بداية من استذكار جورج واشنطن وابراهام لينكولن، وليس انتهاء بجون كينيدي الذي كان الرئيس الكاثلوليكي الوحيد في تاريخ الولايات المتحدة، حتى اليوم.

ولعل تقديم بايدن كشخص ملتزم دينياً، وإفراد مساحة واسعة للحديث عن طقوسه الدينية وزياراته للكنائس وكيف يلعب الإيمان دوراً مهماً حتى في حياته السياسية، كان أشبه بيد تمتد إلى الأميركيين المحافظين الذين يشكلون القاعدة الانتخابية لترامب تحديداً، وإن كان أولئك ينتمون إلى المسيحيين الإنجيليين. وكان ذلك مدخلاً للحديث عن الوحدة والتضامن والتعاطي مع الاختلاف كمصدر للقوة لا الضعف، مثلما تكرر لاحقاً في خطاب بايدن الأول كرئيس للبلاد، والذي يعتبر أطول خطاب في حفل التنصيب على الإطلاق بمدة تجاوزت 20 دقيقة، زخرت بالنبرة التفاؤلية.

على أن التفاؤل لم يأت من رحيل ترامب، بل من منطلق أن "الولايات المتحدة فكرة مستمرة" حسب وصف "سي إن إن"، وبالتالي فإن ما حدث خلال السنوات الأربع الماضية يصبح تذكيراً بأن الديموقراطية الأميركية قد تنحرف عن مسارها لسبب أو لآخر ويجب الدفاع عنها مهما كان الثمن. وتصبح رئاسة ترامب الكارثية، محطة ضرورية في تاريخ البلاد، لأنها كشفت كثيراً من عيوبها بشكل فاقع، وتحديداً في ملفات العنصرية العرقية والتمييز بناء على الخلفيات الثقافية والإرهاب المحلي والأداء الاقتصادي.

ورغم كل المهنية السابقة، فإن المراسلين والمحللين لم يخفوا سعادتهم برحيل ترامب، ووجهوا له ولعائلته انتقادات ذكية. فعلى سبيل المثال تم التركيز على الثوب الأزرق الذي ارتدته السيدة الأولى جيل بايدن في حفلة التنصيب، وهو من تصميم المصممة الأميركية الشابة ألكسندرا أونيل، وكذلك ثوب نائبة الرئيس كاميلا هاريس من تصميم كريستوفر جون روجرز وسيرجيو هدسون، وبزة بايدن من تصميم رالف لورين، وجميعهم مصممو أزياء أميركيون متعددو الخلفيات الإثنية، في مقابل ملابس السيدة الأولى السابقة ميلانيا ترامب، من تصميم دار الأزياء الفرنسية "شانيل" والإيطالية "دولتشي أند غابانا"، رغم أن زوجها لطالما تحدث عن دعم الصناعة الأميركية وجعل أميركا "عظيمة مجدداً".

ومع كل الابتسامات والفرح باستمرار الديموقراطية في البلاد، رغم محاولات الالتفاف عليها قبل أسابيع قليلة فقط، يبقى شعور بالمرارة، ليس فقط بسبب ضحايا كورونا الذين تجاوز عددهم في عام واحد، ضحايا الولايات المتحدة في الحرب العالمية الثانية نفسها، بل أيضاً من ناحية الخوف من عودة ترامب أو شبيه له إلى المشهد السياسي بعد أربع سنوات، لأن ترامب ربما كان نتيجة للانقسام قبل أن يصبح مغذياً له، خصوصاً إن لم يكن بايدن قادراً على الوفاء بوعده بتحقيق الوحدة بين الشعب الأميركي.