مراسلو الإعلام الأجنبي في بيروت يروون الانفجار: يوم جهنمي

المدن - ميديا
السبت   2020/08/08
(غيتي)
بعد ست دقائق من الانفجار الذي وقع في مرفأ بيروت، الثلاثاء، كانت مراسلة صحيفة "الباييس" الإسبانية ناتاليا سانشا، على دراجتها النارية متوجهة إلى مكان الانفجار، مثل العديد من الصحافيين في المدينة، لتوثيق الكارثة بينما كانت تعيشها.


وأسفر الانفجار الكبير، الذي يعتقد أنه نجم عن حريق في مستودع بالميناء يحتوي على كمية كبيرة من نترات الأمونيوم، عن مقتل أكثر من 150 شخصاً حتى الآن وإصابة آلاف آخرين. وضرب الانفجار بكل ضراوة المباني السكنية ومراكز التسوق وغرف الأخبار، مخلفاً الأنقاض والحطام والدماء والدموع.

وقالت "لجنة حماية الصحافيين" الدولية، في تقرير خاص أن تغطية الأحداث باتت أكثر تعقيداً وسط تقارير تفيد بأن الجيش اللبناني يمنع الصحافيين من القيام بعملهم. حيث قالت قناة "أل بي سي" اللبنانية، أن الجيش اعتقل اثنين من صحافييها لدخولهما منطقة محظورة في المرفأ. فيما أفادت تقارير باعتقال طاقم من قناة "أم تي في". ولم يرد الجيش اللبناني على طلب اللجنة للتعليق، رغم الإفراج عن الطاقمين.

وتحدثت اللجنة، وهي منظمة غير حكومية تهتم بحرية الإعلام والصحافة في العالم، مع أربعة صحافيين في بيروت حول تغطية الانفجار وتأثيره على حياتهم وعملهم.

وقالت سانشا، أنها في لحظة الانفجار كانت في منزلها أمام الكومبيوتر وتتناول وجبة خفيفة. ومازالت تتذكر اهتزاز المبنى بشكل خفيف قبل أن تطير في الهواء وتسقط على الأرض مع الانفجار الهائل. مضيفة أن نوافذ الشقق في الطوابق السفلية تحطمت، وبدأت أجهزة إنذار السيارات تدوي في المكان. وقالت: اعتقدت أنه زلزال أو هجوم إرهابي أو سيارة مفخخة. أخذت على الفور الكاميرات وأجهزة الكومبيوتر الخاصة بي. نزلت إلى الطابق السفلي وركبت دراجتي النارية وبدأت في تتبع الدخان".

وأكملت سانشا أنها بدأت في التقرير عن الانفجار بعد ست دقائق فقط من الانفجار، حيث توجهت مباشرة إلى مكانه. وقالت: "كان الجيش في المنطقة، في الميناء، وكان هناك الكثير من الدخان. من هناك انتقلت إلى منطقة الجميزة الأكثر تضرراً. كانت منطقة كارثية. قتلى وجرحى. لا أعرف كيف أشرح، كان الأمير يشبه العراق أو سوريا. كان الأمر تماماً كأنه تعرض للقصف".

وفي ردها على سؤال حول طبيعة الوضع الحالي، أجابت سانشا بأنه صعب جداً: "أقيم في بيروت منذ 12 عاماً لتغطية أخبار المنطقة. لقد كنا نعاني بالفعل، وكنا نستخدم المولدات لمدة 22 ساعة في اليوم بسبب النقص المستمر في الطاقة. لقد تم بالفعل استنفاد من البنية التحتية والخدمات اللوجستية في هذا البلد، والأمر يزداد سوءاً. لا يمكنك الاستحمام أو تشغيل الغسالة. أنا محظوظة لأن بيتي لم يدمر ومازال لدي كهرباء وماء. التنقل صعب بسبب جائحة كورونا، كما أنه صعب لأن المواصلات معقدة ومرهقة. والحصول على المعلومات صعب".

وأكملت سانشا بأنها كنت خائفة من التعرض لنترات الأمونيوم، وهي المادة التي يعتقد أنها انفجرت في المرفأ. وأضافت: "أنا أرتدي قناع الغاز الذي آخذه معي عندما أذهب إلى مناطق تتعرض للقصف. أرتدي قناعاً وقفازات ونظارات عندما أذهب إلى المستشفى. أحاول وقاية نفسي من كورونا، لكن نظراً لأنني وصلت سريعاً إلى نقطة الانفجار، كنت أركض بفعل الأدرينالين، كي أساعد في إنقاذ الناس من تحت الأنقاض بيدي العاريتين ومن دون قناع. عندما ذهبت إلى الموقع في البداية، لم آخذ قناعاً. لم أرتدِ قفازات أو أي وسيلة للحماية".

وأردفت سانشا بأنها عندما زارت موقع الانفجار لاحقاً، بدأت تعاني مشاكل في التنفس وحكة في العينين والأنف والوجه. وحتى الآن، إذا كانت قريبة من مركز الانفجار فستحدث الأعراض نفسها. وأضافت: "يجب أن يدرك الصحافيون بأنه يجب عليهم الاستعداد عند التوجه إلى منطقة مركز الانفجار. ارتدوا أكماماً طويلة بدلاً من الأكمام القصيرة وقوموا بتغطية وجهكم وتطهيره واغسلوا أنفسكم عندما تصلون إلى المنزل".

من جهته، قال الصحافي كريم شهيب، وهو مراسل لمؤسسة "The Public Source" الإعلامية المستقلة: "كنت على بعد 10 دقائق بالسيارة من الميناء للقيام ببعض التقارير بعيداً من المدينة. أتذكر مقطع فيديو تمت مشاركته في تويتر من أحد الزملاء، يُظهر النيران القادمة من الميناء نتيجة انفجار صغير. لقد صدمت لأنني لم أجد أي شيء في وسائل الإعلام المحلية، ولم يتحدث عنه أحد. بعد بضع دقائق، قال الجميع أن انفجاراً هائلاً ضرب المدينة بأكملها".

وأكمل شهيب بأنه لم يبدأ في تغطية الموضوع إلا بعد أكثر من ساعة قضاها في الاتصال بالعائلة والأصدقاء للتأكد من سلامتهم. ثم بدأت فجأة في تلقي مكالمات من محطات راديو وتلفزيون مختلفة تطلب منه التحدث عما يحدث. وبالتحديد كان يبلغ موقع "ميدل إيست آي" عما يحدث تباعاً. وقال: "كنت مخدراً للغاية تجاه الموقف. كان الأمر مروعاً. لقد باشرت في العمل فوراً من دون أن أفكر في الأشياء كثيراً، عارفاً أن الغالبية العظمى من أصدقائي وعائلتي كانوا على ما يرام في ذلك الوقت".

وأوضح شهيب أن الوضع الحالي صعب للغاية بالنسبة للصحافيين. فبالإضافة إلى الكميات المتزايدة من المضايقات والاعتداءات على الصحافيين، كان من الصعب عليهم الدخول إلى الميناء ومحيطه. وأكمل: "حاولت الذهاب إلى الميناء اليوم مع فريق إنقاذ فرنسي ولم يُسمح لي بالدخول". مضيفاً أن لبنان يتمتع بالطبع بحرية صحافة أفضل من الأماكن الأخرى في المنطقة، لكن ذلك الحد منخفض للغاية بالنظر إلى أن المنطقة تضم أصلاً دولاً مثل مصر وتركيا وإيران والمملكة العربية السعودية.

وبحسب شهيب، باتت مساحة التعبير في لبنان تتقلص، رغم أنه "في وقت كهذا، عندما يحتاج الصحافيون حقاً إلى مساحة أكبر للتحقيق ومحاسبة الأشخاص في السلطة، فإنهم يخشون الاعتقال والانتقام من الدولة والأحزاب السياسية والأشخاص ذوي المصالح الخاصة"، واصفاً الوضع الحالي بالمتوتر "لكن من المشجع أن نرى أن العديد من الصحافيين يتحدون ذلك ويفعلون كل ما في وسعهم، بغض النظر عن الانتقام الذي قد يتعين عليهم مواجهته".

وقال شهيب أنه يحمل حقيبة إسعافات أولية أينما ذهب: "لدي حزمة بطارية إضافية. أنا دائماً أخبر زملائي الصحافيين والأصدقاء المقربين بمكاني. في المنزل، أغلق الستائر وأحاول الابتعاد عن الزجاج قدر الإمكان. لديّ بطاقة صحافية، لم أتمكن من الحصول عليها مطلقاً في لبنان، لكنني حصلت عليها من خلال سجل فرونت لاين فريلانس في المملكة المتحدة، وقد ساعدني ذلك كثيراً. يرتدي الكثير من الصحافيين خوذات الدراجات. لدي قناع الغبار أستخدمه في حالة التعرض للغاز المسيل للدموع".

وفي رده على ما يحتاجه حالياً للقيام بعمله، كصحافي مستقل، أفاد شهيب بالحاجة لاستخدام معدات الحماية. وأضاف: "لا توجد أعمال شغب في الوقت الحالي، لكننا عندما نتجول في المدينة ونتحدث إلى الأشخاص الذين فقدوا منازلهم، وخسروا أعمالهم، هنالك خطر سقوط المعادن والركام عليك. أيضاً، هنالك حاجة أضواء كاشفة في الليل بسبب انقطاع التيار الكهربائي. الأهم من ذلك، وجود شبكة قوية من التضامن والدعم، خصوصاً عند ملاحظة المعاملة غير المتسقة من طرف مسؤولي الأمن، وفرض العديد من القيود على الوصول إلى الأماكن المهمة لتغطية الأحداث فيها".

إلى ذلك، قال الصحافي المستقل، فينبار أندرسون، الذي أصيب بشدة في الانفجار، أنه كان في منزله يستعد للنزول إلى الشارع لتغطية الحدث الذي قرأ تغريدة عنه في "تويتر"، عندما وجد نفسه يسقط أرضاً على كمية كبيرة من الزجاج. مضيفاً أن الأبواب في المنزل اقتلعت من مكانها وأدرك أنه كان ينزف بشدة وكان بحاجة للوصول إلى المستشفى بأسرع وقت. وحاول الوصول إلى علبة الإسعافات الأولية وهاتفه ومعدات أخرى، قبل أن يساعده اثنان من الغرباء في الوصول إلى سيارة نقلته إلى مشفى قريب.

من جهته قال منسق تغطية فيديو الشرق الأوسط في وكالة "أسوشييتد برس" بالينت زلانكو، أنه كان في منزله بالقرب من الميناء حيث وقع الانفجار. ومع هذا القرب الشديد من مكان الكارثة، كان كل شيء يهتز بشدة ووجد نفسه مدفوناً تحت السقف: كنت مغطى بالجروح والكدمات، لكن لحسن الحظ لا شيء خطيراً، مجرد خدوش. اضطررت إلى إخراج نفسي من الشقة والخروج من المنزل. كان الدرج مليئاً بالحطام أيضاً. استغرق ذلك حوالى نصف الساعة".

وأضاف زلانكو أنه وجد نفسه في الشارع حيث أرسل بعض مقاطع الفيديو لـ"أسوشييتد برس" في لندن، قبل أن يمشي نحو مكتب الوكالة وسط بيروت، ملتقطاً المزيد من الفيديوهات في الطريق، وعندما وصل اكتشف أنه كان ينزف ليأخذه الزملاء هناك إلى المشفى حيث تلقى العلاج وعاد إلى المكتب حيث عمل حتى وقت متأخر.

ووصف زلانكو الوضع بالنسبة للصحافيين بأنه "جيد": نحن نتعرض للمشاكل نفسها مثل أي شخص آخر. إن المشهد فوضوي للغاية الآن، وحركة المرور ممنوعة للغاية، لذلك من الصعب التنقل بين مكان وآخر. لقد فقد الكثير من الناس منازلهم. أقيم في فندق في الوقت الحالي وأضطر إلى التوفيق بين عملي ومخاوفي الشخصية، مثل إصلاح شقتي. الخروج والتقاط الصور وإجراء المقابلات مع الناس، يبقى أمراً سهلاً إلى حد ما ولم يتغير فيه شيء حقاً".