زينة باسيل وعباس صباغ.. التسييس يشرّع استهدافهما

نور الهاشم
الإثنين   2020/08/17
من فيديو "إشكال" مراسلة "ام تي في"
لم تنجح كل محاولات عزل الصحافيين عن مؤسساتهم، ولا سياسات المحطات وانتماءات الصحافيين السياسية فصلتهم عن ميدان العمل. فما يجري منذ تفجير بيروت، يثبت هذه النظرية التي دفع الصحافيون إزاءها أثماناً بالتهديد والطرد والوعيد. 
ثمة شاهدان للقضية. طُرد مراسل "الميادين" من منطقة الجميزة، الأسبوع الماضي، خلال تغطيته انفجار المرفأ. والثاني، التهجم على مراسلة "ام تي في" زينة باسيل، على رصيف مواجه لموقع التفجير في المرفأ. الأول امتعض، فأخلى مكانه على مضض، لأن المنطقة ليست منطقته.. والثانية ردت على الفعل بإغلاق باب السيارة على منتقدتها، مستفيدة، ربما، من واقع العمل في منطقة مؤيدة لمواقفها السياسية. 

ويُعدّ التوصيف المكاني، الدافع لاتخاذ المراسلين قراريهما بِرَدّ الفعل، واقعياً ودقيقاً بصرف النظر عن المبدأ. فالأزمات الأخيرة في لبنان، قسمت البلاد مناطقياً. لم تعد للإعلام مساحة حرة يعمل فيها من غير قيود. مراسلة "أم تي في" مثلاً، في تغطيات سابقة لتداعيات التفجيرات في ضاحية بيروت الجنوبية، كانت تساير "حزب الله" والبيئة الحاضنة، في حين أن مَن يريد أن يعمل بلا ضغوط ويقول استنتاجات مرتبطة بالسياسة، لم يكن يرتاد المنطقة ليقول رأيه. 

وعلى العكس، مَن غطى تفجيرات مسجدي السلام والتقوى في طرابلس، من قنوات مؤيدة لحزب الله، لم يقل رأياً، بل حاذر الدخول اليه واكتفى بالتوصيف ونقل الصورة الميدانية، وتجاهل الحملات ضده. بينما كان الواقع مختلفاً في البرامج التحليلية في الاستديو، حيث تم ربط الحوادث بالسياسة. 


الإعلام مسيس نعم، لا شك في ذلك. والصحافيون العاملون في المحطات، في معظمهم، مسيّسون. من وجد نفسه غير منسجم مع سياسة المحطة، في الأغلب، طرده الفرز النفسي منها. 

هذه الحقيقة أيضاً، يتعامل معها الجمهور بالمثل. الجمهور المفروز يلوّن المراسل بسياسة محطته، ويتصرّف معه على هذا الاساس. والمراسل، يتعامل مع الشارع المفروز وفق هذه القاعدة: "شارعنا وشارعه"! ففي البلاد، محميات سياسية وفيدراليات مذهبية، من الطبيعي أن تنسحب على التعامل مع وسائل الإعلام. 

وإلا، لماذا مُنعت "الجديد" من البث في الضاحية؟ ولماذا لم نشاهد تقريراً لقناة "المنار" من الطريق الجديدة؟ ولماذا تهجم المحتجون على مراسل "المنار" يوم كان يغطي الثورة أمام مجلس النواب يوم عقد جلسة انتخاب هيئة مكتب المجلس في الربيع الماضي؟ ولماذا تندروا وعقّدوا مهمة مراسلة "او تي في" جويل بويونس يوم كانت تغطي الثورة في جل الديب؟ ولماذا هاجم سمير صفير مراسلة "ام تي في" جويس عقيقي في عين الرمانة خلال احتجاجات بيروت؟ ولماذا تعرضت مراسلة "ام تي في" نوال بري للتنمّر والشتيمة يوم كانت تغطي الاحتجاجات في وسط بيروت؟ 


البلد مقسوم، والصحافي الميداني في مهب التسييس. وحدها قناة "ال بي سي" استطاعت النفاذ من هذه المعضلة حين قدمت وجهتي النظر، وبقيت مقبولة لدى الطرفين. كان يمكن القول إن حرفية المراسلين وحيادهم يرسم ملامح طريقة التعاطي معهم، لكن بعضهم ليس محايداً وله رأيه السياسي وحرية في التعبير عن القضايا والملفات... ما يعني أن سياسة المحطة الانفتاحية على الجميع، ووضع ضوابط الهجوم السياسي، هي من يدفع الجمهور للتعاطي معها بطريقة مختلفة. 

وعليه، فإن التهجم على زينة باسيل مرفوض، كذلك التهجم على عباس صباغ وأي مراسل آخر. فللمراسل الحق في تغطية الوقائع، وممنوع التعرض له تحت أي ذريعة، رغم الملاحظات المبدئية على سلوك كل منهم. وهذا يدفع للتأكيد أن الحملات اللا-أخلاقية للتحريض على المراسلين، أو للاحتفاء بطردهم، غير مقبولة عندما يقف المراسل وراء الكاميرا، بينما للجمهور الحق في انتقاد سياسة المراسل عندما يغرد عبر حسابه الشخصي في "تويتر".