كورونا لبنان.. فوضى المعلومات والمؤامرة الأميركية

نذير رضا
الإثنين   2020/03/02
مطار بيروت (مصطفى جمال الدين)
إلى جانب صورة تظهر سيارة اسعاف تابعة لـ"كشافة الرسالة"، خبر مقتضب يتحدث عن نقل ثلاث حالات مصابة بفيروس "كورونا" من منطقة حي السلم. تبادلت مجموعات "واتسآب"، اليوم، الخبر على نطاق واسع، وانتشر في صفحات "تويتر" و"فايسبوك"، قبل أن تنفي "جمعية الرسالة للإسعاف الصحي" ببيان. 
وهذا الخبر، ليس إلا عيّنة من عشرات الأخبار المزيفة التي يتم تناقلها في الصفحات الالكترونية يومياً. أخبار قابلة للتصديق، ليس بسبب ارتفاع نسبة احتمالات صدقيتها، بل بسبب تراجع مستوى الثقة في الحكومة اللبنانية، وبسبب الهلع والقلق الذي يسيطر على الشارع اللنباني منذ 10 ايام، لدى الكشف عن أولى الحالات المصابة بفيروس كورونا، ودخلت غرف العزل في مستشفى رفيق الحريري. 

يعيش الشارع على الشائعات. وتبذل وسائل الاعلام جهوداً مضنية للتحقق من الأنباء. يصدر أكثر من نفي يومياً، بالممكن الذي تستطيعه وسائل الاعلام. لكن الشائعة أقوى من النفي. قابلية التصديق أعلى من الدحض. فانتشار الخبر، كالنار في الهشيم، يسير سحبه مسار السلحفاة. ولا تزيله من الذاكرة الا شائعة أخرى، وما أكثر مروّجيها. 

في الصفحات المحلية في مواقع التواصل، تلك التي تضم مئات، بل آلاف المتابعين، تسري الأخبار غير الدقيقة بشكل جنوني. هي أخبار مثيرة، تستجلب أرقاماً عالية في القراءات، بشكل يصعب على مدراء تلك الصفحات تجنبها. وتستجلب، في الوقت نفسه، قدراً كبيراً من اللطم. 
"كورونا على أبوابنا"، يعلق لبناني على خبر انتشار 25 حالة مصابة بالفيروس في احدى القرى الجنوبية. ويفكر آخر في النزوح من منطقته، إثر معلومات عن انتشار الفيروس في شارعين في ضاحية بيروت الجنوبية. وتكتفي ثالثة بعبارة "يا ويلي" تعليقاً على رصد عشر حالات في قرية بقاعية.. 

ويبدأ التحليل المؤامراتيّ التافه: "انها خطة امبريالية للقضاء على ثلث سكان العالم لحماية ثروات الأرض لسنوات اضافية". وينشر آخر صورة تتضمن تصريحاً مزعوماً لخبير روسي يتحدث عن دور أميركا في استهداف خصومها في العالم. وينشر آخر مقطع فيديو لـ"طبيبة فنلدنية مخضرمة" تقول ان الولايات المتحدة تصنّع الفيروسات في مختبرات بيولوجية في دول محيطة بالصين، وتصدّرها اليها، من "سارس" الى "كورونا"!  ليخلص معلق: "انها نهاية العالم". 

ثمة شغف بنظرية المؤامرة. ومن يحاول دحضها، يُتهم بالـ"تأمرُك". وثمة شغف بتضخيم الأحداث، ومن يشكك فيها، يُتهم بالتطبيل لـ"حكومة فاسدة" تحمل شعار "لا داعي للهلع". وثمة شغف بالندب واللطم، ومن يحاول تهدئة روع الناس، يُتهم بأنه "يعيش في غير عالم". ومن يحاول الاستدلال بوسائل الاعلام الموثوقة، يثير الشفقة، من وجهة نظر مروجي الشائعات.  

ثمة جانب مهم، إذ أثبتت إدارة الأزمة منذ 10 ايام، وهي التزام وسائل الإعلام الموثوقة بالمسؤولية الاجتماعية. لم تُسجل حالات انحدار الى الشائعات بالقدر الذي كان معمولاً به في أزمات شبيهة. على العكس، بذلت وسائل الإعلام جهداً كبيراً للتحقق والدحض والنفي والإثبات. وقد ساهمت استراتيجية حصر المعلومات في منع فوضى الأخبار. كما ساهم احتكار المعلومات من قبل الجهات الرسمية، في دفع الناس الى التمسك بموعد صدور المعلومة، وذلك في الخامسة من مساء كل يوم، رغم التسريب لبعض وسائل الإعلام الذي لم يتجاوز توقيته الساعة الواحدة قبل موعد نشر التقرير الرسمي. 

لكن فوضى الشائعات، والاقبال على التهويل، يحتاج الى جهد حكومي، لا يقتصر على تقرير يومي واحد. تدرك الحكومة اللبنانية أن ثقة الناس فيها، لجهة القدرة على محاصرة انتشار الفيروس، ضئيلة. وهو ما يستوجب نشر تقريرين، بفارق 12 ساعة، ستكون كفيلة بتخفيف الجهد عن وسائل الاعلام لنفي المعلومات المزيفة، والتخفيف من قدرة الشائعات على الامساك بأعصاب اللبنانيين. 

قد تكون هذه هي المرة الأولى التي تنجح فيها الحكومة اللبنانية في إدارة الأزمة اعلامياً، عبر حصر المعلومات في المصادر الرسمية. لكنها، في الوقت نفسه، استراتيجية ناقصة. ففي الأزمات المحلية، يحتاج الإعلام الى حصرية مصدر المعلومة، وليس حصرية النشر، منعاً لتكرار مقاربات اعلامية كما يحصل في ظل الأنظمة الشمولية. فلبنان، البلد الذي يتمتع بمستوى عالٍ من حرية التداول، وتتنوع فيها وسائل الاعلام، وأثبت الإعلام فيه التزاماً بالمسؤولية الاجتماعية، يحتاج الى اتاحة المعلومات الدقيقة من مصادرها الموثوقة بما يتخطى موعد النشر وحصريته عبر وكالة الأنباء الرسمية. وهي ثغرة بسيطة يمكن تجاوزها بتعديلها، لنقول أن لبنان قادر على إدارة الأزمة بما يكفله الدستور، وما تتطلبه المسؤولية الاجتماعية.