الثورة تختبر فرصتها الأخيرة

نذير رضا
الإثنين   2020/02/10
تختبر الانتفاضة اللبنانية، الثلاثاء، فرصتها الأخيرة لإنقاذ البلاد ما قبل الانهيار، وذلك في التواجد في الشارع لمنع وصول النواب إلى البرلمان، وتختبر فيها قوتها بمعزل عن القوى السياسية التي اختارت الالتزام بالعمل المؤسساتي، وسط إجراءات أمنية يبدو انها حازمة لتأمين وصول النواب الى المجلس. 
والفرصة الأخيرة، تنبثق عن الاستحقاقات في الحياة السياسية منذ 17 تشرين الأول الماضي. آخر الاستحقاقات هي جلسة الثقة للحكومة في البرلمان التي ستتيح لحكومة حائزة على ثقة المجلس النيابي، العمل، ما يمنحها شرعية الاستمرار كحكومة يدّعي مشكلوها أنها وليدة الثورة، وناطقة باسمها. وفي حال أُتمّ الاستحقاق، ستختم حقبة 17 تشرين، بانتظار ثورة أخرى. 

ولا خلاف على أن الثورة تُرِكت وحيدة لمواجهة السلطة وأطرافها. المنتفضون وحدهم يحاولون تأمين الحشود في الساحات، مستخدمين مواقع التواصل الاجتماعي سبيلاً للتحشيد. لا أحزاب ولا قوى سياسية تواكب خيارهم، ولو أن بعضها يؤيدهم من بعيد. 

قد يدرك البعض ان هذه الجولة قد تكون الاقسى حضوراً لما تمثل نتائجها على مستوى السياسة. لكن مؤشرات الاستمرار في حراك يخمد تحت الرماد، ويلتهب عند الاستحقاقات، موجودة أصلاً في نهايات الثورة الأولى. ففي التحشيد للجولة الاخيرة من التحرك في محيط مجلس النواب، حراك فاعل، ينطوي على أمل كبير في اندفاع شعبي نحو رفض الحكومة تحت عنوان "لا ثقة". يجمع المغردون على أن الثقة في الحكومة معدومة، وفرصها ضيقة، وخياراتها محصورة، ولا سبيل الا لمواجهتها. 

والحال، تشظى لبنان بين 17 تشرين الى مجموعات مختلفة، لا تجمعها استراتيجية واحدة. ثمة من يتمسك بالشكل القائم من الحكم، وبالأشخاص أنفسهم، لأسباب شخصية وحزبية وعقائدية وسياسية. وهناك من يثور لأسباب سياسية، ويعارض لأسباب سياسية، وهناك من يتحاشى الخلافات مع السلطة، أو مع بعض رموزها، لاعتبارات سياسية ونفعية، ولا يتردد في الحديث عن "اعطاء فرصة". وثمة من يثور على الجوع، ويحاول استدراك الانهيار بالتغيير. 

لم يبق من هؤلاء في الشارع، إلا الطرف الأخير. هم، على كثرتهم، تجمعهم مواقع التواصل الاجتماعي بما يتخطى الساحات. تلك وقائع لا يمكن إنكارها، لكن أعدادهم في ازدياد. تزداد عندما يلامس الألم رأس العنق، وعندما تصل البلاد الى الانهيار، ذلك الواقع أصلاً، وغير المُعلَن، حتى الآن، بانتظار انحدار حكومة الرئيس حسان دياب اليه أو إعلانها عنه.

ورغم رفض الأحزاب للاتهامات لها بأنها تؤمن شرعية جلسة الثقة عبر تأمين النصاب اللازم، والمكابرة في خطابها تجاه الثوار، بوصف ما تقوم به منسجماً مع عمل المؤسسات، الا أن الناس في موقع آخر. يحشدون طاقاتهم للقول أن لا ثقة في الحكومة كامتداد للثقة المفقودة في السلطة السياسية ككل، تلك التي وضعت البلاد في مستوى أدنى بكثير من طموحات الشعب وآماله في الاصلاح والتغيير والارتقاء الى مصاف الدول القوية. 

غير أن التخلي عنهم، لا يعني هزيمة. سيخضع الثوار في معركتهم الأخيرة من ثورة 17 تشرين، لانكسار لا يرتقي الى مستوى الفشل. ذلك أن خسارة جولة في معركة مستمرة، لا يعني إعلان الاستسلام. ستتجدد الثورة في الأشهر المقبلة، عندما يُعلن الانهيار، وستأخذ مسمى آخر، بعد أن تحتل "17 تشرين" مكانتها في سجل التاريخ اللبناني.