تبدل في الخطاب المسيحي.. هل يتنحى عون؟

قاسم مرواني
الأحد   2020/12/20
لم يشهد الشارع اللبناني اصداء لدعوته رئيس الجمهورية بالرحيل، كما هو حال اليوم، إذ توحي التصريحات والخطابات المسيحية بأن هناك اتجاهاً لدعوة عون للاستقالة من منصبه، لكنها في الواقع تصريحات ملتبسة. فحين تتخذ التلميحات مضموناً جدياً، تصدر الايضاحات بغرض التعميم، منعاً لتفسيرات مختلفة. 


قد تكون الايضاحات، ومنها ما ظهر الاحد في تصريح النائب في تكتل "الجمهورية القوية"  عماد واكيم، تراجعاً عن الدعوة التي اطلقها رئيس حزب "القوات" سمير جعجع السبت، حين قال انه لو كان مكان عون لاستقال... لكن تصريح جعجع هو تماهٍ مع صوت الشارع اللبناني، فيما ايضاح واكيم القائل إن "استقالة عون وحده لا تنفع" تعبر بالفعل عن الموقف المسيحي غير الشعبوي، الذي يمنع تنحي الرئيس حفاظاً على الموقع، وليس الشخص.
 
لا شك أن معظم اللبنانيين مع استقالة رئيس الجمهورية ميشال عون، ليس  باعتباره سبباً في ما وصلت إليه أحوالهم، بل لأن الرجل لا يملك أي حلول للتعاطي مع مختلف الأزمات.

يدرك اللبنانيون أنه لا يصلح لإدارة المرحلة وهو لا يزال يعيش في زمن التحاصص الطائفي والمذهبي الذي يمنع البدء بطريق الاصلاح. خير دليل على ذلك، عدم القدرة على تشكيل حكومة، مع كل ما يتسرب من كواليس اللقاءات مع الرئيس المكلف، من المطالبة بالثلث المعطل أو بوزارات معينة. باتت المطالبات باستقالته يومية على مواقع التواصل الاجتماعي، يرددها مسؤولون ورؤساء أحزاب وناشطون. 
تعزز تلك الرؤية الدعوات المسيحية المتنامية، وغير الصريحة. سليمان فرنجية، زعيم "تيار المردة"، ألمح الى الامر من غير أن يرتقي التصريح الى مستوى الدعوة الصريحة، حفاظاً على "خط الرجعة" في حال وصل الى الرئاسة يوماً. واليوم، تعزز الطرح بتصريح لمتروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عوده قال فيه: "لا يستقيم الوضع في لبنان إلا عندما تنسحب القامات والرجالات الكبار بعزة وكرامة وهدوء عندما يقترفون خطأ، دون تشويش على القضاء أو خروج على القانون".
هي دعوات لاتفة، وخجولة، وحمالة وجوه، وتختلف في جوهرها مع مطالب اللبنانيين وتفسيراتهم. فاليأس السياسي من استقالة رئيس الجمهورية، مرتبط بقناعة ان الموقع محمي طائفياً، ولا سبيل للعبور فوقه. 

المستغرب هو لماذا يستمر الرجل في منصبه على الرغم من كل ما حدث ويحدث؟ على الرغم من علمه التام بالرغبة الشعبية لرحيله،  حتى أنصاره في التيار الوطني الحر وأفراد مقربون من الرئيس، باتوا ينظرون إلى وجوده على كرسي الرئاسة إجحافاً بحقه وانتكاسة لتاريخ  يعتبرونه مشرفاً ولا يليق به وهم يمنون النفس بمخرج يحفظ له بعض الكرامة. في وقت أصبحت ساعات نوم الرئيس أهم ما تتناقله وسائل الإعلام.  
بقاء الرئيس في منصبه ليس بدافع الوطنية وهو أصلاً لا يملك قرار الاستقالة، فالمحور الذي جاء به رئيساً ودعمه في وجه انتفاضة ١٧ تشرين وكل الحملات التي تعرض لها، يحاول شراء ما استطاع من الوقت بانتظار حل خارجي للأزمة اللبنانية، لا يخسرون معه مكتسبات حققوها على مدى الأعوام الماضية والتي كان وصول ميشال عون إلى الرئاسة واحداً منها.
يجد محور الممانعة نفسه اليوم في موقع ضعيف، بعد كل الأزمات التي ألمت به والانهيارات الاقتصادية.. وفي حال رحيل ميشال عون فإنه يخسر حجراً  قيماً على رقعة الشطرنج اللبنانية ولن يكون يسيراً عليه، الإتيان برئيس تابع له، لذلك، يفضل المحافظة على الرئيس ولو في حالة سبات ريثما يستعيد بعضاً من قوته لخوض معركة الرئاسة. 

في الجهة المقابلة، يستغل الخصوم وضع الممانعة المأزوم للضغط نحو استقالة الرئيس وبين الجهتين، اللبنانيون متروكون ليواجهوا أزماتهم وحدهم على قاعدة لا يحنّ على الشعب إلا الشعب.