تجمّع "لننزع سلاحهم" لـ"المدن": قنابل القمع اللبناني.. فرنسية

حسن مراد
السبت   2020/01/25
ما زال الوسط السياسي الفرنسي يذكر مداخلة وزيرة الخارجية أمام الجمعية الوطنية في 12 كانون الثاني 2011. ففي أوج الثورة التونسية، بادرت ميشال آليو إلى عرض خدمات فرنسا وخبراتها الأمنية على النظام التونسي لضبط الأمن في البلاد. 
 
ما قالته آليو ماري، ما زال محفوراً في الأذهان، إذ يشير إلى مقاربة الدولة الفرنسية لملف الحريات وحقوق الإنسان خارج حدودها، خصوصاً أن السلوك الرسمي الفرنسي ما زال على حاله وفقاً لكل المؤشرات. آخر هذه المؤشرات ما يتردد في الوسط السياسي والإعلامي الفرنسي حول استخدام الأجهزة الأمنية اللبنانية لمعدات فرنسية بغية قمع ثورة 17 تشرين.  

قبل أيام، نشر تجمع Désarmons-les (لننزع سلاحهم) عبر صفحته في فايسبوك، معلومات تناولت طبيعة الأسلحة والذخائر المستخدمة ضد المتظاهرين في بيروت، كالغازات المسيلة للدموع وقاذفات القنابل. وأضاف تجمع Désarmons-les أن تلك الترسانة، التي تسببت بإصابة ما لا يقل عن 500 متظاهر، مصدرها شركة ALSETEX الفرنسية المتخصصة في صناعة الأسلحة ومعدات ضبط الأمن. وقدم التجمع تفاصيل إضافية لناحية ماهية الذخائر (علاماتها التجارية، خصائصها) كما أرفقها بصور وفيديوهات لتأكيد المعلومات الواردة في منشوره.

في اتصال مع "المدن"، أكد تجمع Désarmons-les حصوله على تلك الصور عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ليتوسع، في مرحلة لاحقة، في التحقيق بمساعدة ناشطين لبنانيين. وأشار التجمع إلى تتبعه لنشاط هذه الشركة ومنتجاتها منذ سنوات ما سهل عليه تحديد المصدر فور العثور على الصور. 

على خط مواز، تناقل لبنانيون مقيمون في فرنسا، عبر فايسبوك وواتساب، صورة لطرد بريدي يستوعب 30 قنبلة من نوع CM3 تحتوي غازاً مسيلاً للدموع، وهي إحدى القنابل التي أتت صفحة Désarmons-les على ذكرها. وتضيف المعلومات الواردة على الطرد أن المرسِل هي شركة ALSETEX، فيما المرسَل إليه هو قوى الأمن الداخلي في لبنان. 

صورة تَثَبّتَ القيمون على تجمع Désarmons-les من صحتها مؤكدين دقة المعلومات الواردة فيها بعد مقارنتها بصورٍ التقطها عناصر من الدرك الفرنسي في أوقات سابقة واحتوت المعلومات نفسها. وأشار تجمع Désarmons-les لـ"المدن" أنه بصدد اعداد تحقيق موسع حول هذه القضية.

وتجدر الإشارة إلى أن "المدن" اتصلت بـALSETEX لاستيضاح موقفها، لكن الشركة الفرنسية رفضت التعليق على الموضوع. 
في الواقع، هي ليست المرة الأولى التي تخرج فيها مثل هذه الأخبار إلى العلن. ففي تشرين الثاني الماضي، نشر موقع "ميدل ايست آي" معلومات مشابهة. وبعد تحليل خصائص القنابل والغازات وما التقطته وكالات الأنباء من فيديوهات، خلص الموقع إلى أنها معدات ذات طبيعة عسكرية: على سبيل المثال، قنابل الشرطة تزن ما بين 25 و50 غراماً ويبلغ قطرها ما يقارب الـ37 ميليمتراً. في المقابل يبلغ قطر قنبلة CM6 ، الواردة أيضاً ضمن لائحة "لنزع سلاحهم"، 56 ميلمتراً بوزن 250 غراماً. 

بالتالي، كل قنبلة من هذه القنابل قادرة على استيعاب ثلاثة أضعاف كمية الغاز المفترض أن تحتويها قنابل أجهزة الأمن، فيما أكد مصدر ديبلوماسي فرنسي لموقع "ميدل ايست آي" أن فرنسا لم تُصدّر مثل هذه المعدات إلى لبنان بعد ثورة 17 تشرين.


وعلى اعتبار أن صناعة السلاح وتجارته يخضع لإشراف ومراقبة الدولة الفرنسية، من الطبيعي طرح علامة استفهام حول مسؤولية الدولة الفرنسية في هذا الإطار، خصوصاً إذا ما أضيف إليها الموقف الرسمي الفرنسي من الشأن اللبناني، موقف يوصف بالسلبي بعد توفير دعم للإستبلشمنت القائم وإن كان بصورة غير مباشرة.

ولم يتضح ما إذا كانت تلك المعدات قد وصلت إلى لبنان في إطار صفقة أو هبة، فتقارير صفقات السلاح التي ترسلها الحكومة الفرنسية للجمعية العمومية لا تتضمن معلومات تفصيلية حول البضاعة الموردة. لكن موقع "ميدل ايست آي" تطرق إلى التعاون الوثيق بين قوى الأمن الداخلي في لبنان والحكومة الفرنسية، تعاون أثبتت خلاله فرنسا "كرمها" وفقاً "للميدل ايست آي". وأضاف الموقع أن فرنسا قدمت في شباط 2019، هبة لقوى الأمن الداخلي بقيمة 400 ألف يورو، إلى جانب ما أعلنه سعد الحريري العام 2018 عن فتح باريس خط ائتمان لتقديم مساعدة إلى الجيش وقوى الأمن بقيمة 400 مليون يورو، وهو ما يمكن اعتباره إشارة إلى احتمال أن تكون هذه المعدات قد وصلت إلى لبنان كمساعدة أو هبة.   

الفارق بين ما نُشر في "ميدل ايست آي" من جهة، وصفحة Désarmons-les من جهة أخرى، يكمن في أن الأخيرة هي عبارة عن تجمع ذي خلفية سياسية متخصص في تتبع تجاوزات الأجهزة الأمنية وتوثيق عنفها كما انتهاكاتها لحريات الأفراد وحقوقهم. آليات عمل هذا التجمع تختلف عما تقوم به الصحافة، وعليه من المحتمل أن يسعى إلى تشكيل جبهة ضغط على الحكومة الفرنسية وفضح هذا الجانب من نشاط ALSETEX، فالتطورات الداخلية اللبنانية تحظى باهتمام ومتابعة الإعلام والرأي العام الفرنسيين.

متابعة الشارع الفرنسي للشأن اللبناني لا يفسر وحده الاهتمام بتغطية هذه القضية، قضية تحمل في طياتها بُعداً داخلياً. 

فلطالما كان تصدير الأسلحة للخارج محط جدل فرنسي دائم: بين من يتغنى بهذا القطاع الاقتصادي الذي يجلب مداخيل وصلت في العام 2018 إلى 9.1 مليار يورو، وبين منادٍ بضرورة خضوع هذا النشاط لضوابط أخلاقية أكثر صرامة بعدما طفت على السطح تحقيقات تطرقت إلى استخدام أسلحة فرنسية في نزاعات مسلحة وبصورة عرضت حياة المدنيين للخطر. 

في خط مواز، وبما أن جزءًا من مستوردي الأسلحة الفرنسية عبارة عن دول تحوم حولها شبهات حيال احترامها لحقوق الإنسان (50% من الصادرات الفرنسية تصل إلى الشرق الأوسط) تحول توقيع الصفقات إلى جدل في حد ذاته، خصوصاً بعد التأكد من استخدام تلك المعدات العسكرية في القمع الداخلي من قبل عدد من الأنظمة. 
 
وينسحب الجدل كذلك على المعدات غير العسكرية والتي توصف بالأكثر خطورة، إذ يسهل تمويهها نظراً لطبيعتها المدنية، لكنها في الواقع أداة في أيدي الأنظمة التسلطية لوأد أي حركة اعتراضية، كأجهزة التنصت والمراقبة التي ينتجها قطاع الاتصالات.

ما كشف عنه تجمع Désarmons-les وموقع "ميدل ايست آي"، يشكل حلقة جديدة من مسلسل الجدل المستمر حول مدى مسؤولية الدولة الفرنسية في مراقبة حُسنِ استخدام الأسلحة والمعدات العسكرية والأمنية، وفقاً لما نصت عليه العقود وما تضمنته الاتفاقات الدولية.