أعداء العونية ولحظات هزيمتها

رين قزي
الثلاثاء   2020/01/21
لا يعيش التيار الوطني الحر بلا أعداء. استمراريته قائمة على خلق اعداء باستمرار، حقيقيين أو وهميين، لا فرق. يصنعهم عند كل منعطف، ليخيف جمهوره، ويبرر نزق بعض مناصريه.
يبحث التيار في قواميس العداوة، ليختار أقواها وقعاً، وينسب مواجهتها اليه. لم يجد اليوم عبارة أكثر حماسة من "صهيوني". فهو مصطلح لا خلاف عليه. وعداوة لا يختلف عليها اثنان في البلاد. لن تستدرج مناصري افرقاء آخرين، أو مؤيدي الدفاع عن حقوق السوريين والفلسطينيين اللاجئين في لبنان، الى الرد عليه. فهو، بهذا المعنى، يعمل ضمن "المنطقة الآمنة". 

صباحاً، خرجت المستشارة مي خريش، عبر السوشال ميديا، بوصف المطالبين بعدم مشاركة باسيل في مؤتمر "دافوس" بأنهم "يستعملون أدوات صهيونية في الحملة على مشاركة باسيل في مؤتمر دافوس". فهي بذلك، تريد ردعهم عن الغلو في الحملة، او الاستمرار فيها. استندت الى ان صحافية شبكة "CNBC" الأميركية، هادلي غامبل، والتي ستشارك في إدارة ندوة "دافوس"، هي "صهيونية". 

الكثير من النقاش أحيط حول هذا الوصف. فإذا كانت صهيونية، كيف كان سيقبل باسيل بأن تدير حواره، أو تحاوره، أو "تواجهه" و"تحمله مسؤولية ما يجري في لبنان"، بحسب ما أعلنت غامبل أمس. طُرح السؤال على نية التشكيك، وتالياً، التبرير لموقف سُرّب أن باسيل سيتخذه، وهو الإحجام عن المشاركة. 

ففي المعلن، والموجه الى جمهوره، هو سيحجم عن المشاركة بسبب تعثر تشكيل الحكومة وعزمه وضع اللمسات الأخيرة عليها. وفي المضمر، في تصريح خريش، مشاركة غامبل تعطي باسيل الذريعة الكاملة للعدول عن المشاركة، وذلك تسويقاً لتبريره أمام الجمهور المعارض لمشاركته. لكنه، في الواقع، لن يشارك بسبب الحملة اللبنانية التي أطلقت ضده، وضد "تمثيله لبنان" في دافوس، وجمعت عشرات الآلاف من التوقيعات الالكترونية وتم تداولها بكثافة عبر الشبكات الاجتماعية، ووصلت أصداؤها الى المؤتمر الاقتصادي في المدينة السويسرية. وبالتالي، هذه التوقيعات تُحرج باسيل مسبقاً، باعتباره وزير الخارجية الذي يرفضه مواطنوه.. بل إنه، حتى لو شارك: كيف سيتلافى حضور مضمون العريضة المطالبة بإقصائه، في كل التغطيات الإعلامية، وأيضاً في تفاعله مع أقرانه خلال مجريات المحفل الدولي الذي يجتذب أنظار العالم؟  

لا يقرّ التيار بذلك. أصلاً، لا يعترف بالانتكاسات أو التراجع. يقول مؤيدو التيار أن باسيل صلب، ولا يتراجع. ويقول خصومه انه لا يعترف بالتراجع. لكنه، منذ 17 تشرين، يعرف مدى انحدار شعبيته، وعجزه عن مواجهة تسونامي شعبي ألزمه بالانصياع لمطالب الناس، والانحسار أمام المدّ الشعبي. 

لحظة الانكسار، يعود التيار الى خلق الأعداء. ففي ليلة المواجهات في وسط بيروت، ذهب التيار عبر موقع "تيار أورغ" الى السؤال عن الفلسطينيين المشاركين في التحركات (فالعقل التنميطي يفترض أن أحداً لا يلفّ الكوفية المرقطة حول عنقه سوى الفلسطينيين!). وكتب في العنوان: "فلسطينيون يشاركون في تحركات بيروت؟!" فيما كان النص يتضمن نفياً من الفصائل الفلسطينية واللجان الشعبية في المخيمات الفلسطينية في الشمال، لـ"مشاركة أبناء المخيمات، بالتحركات الجارية في الساحة اللبنانية، وما يجري في العاصمة بيروت". 

هنا، صنع إعلام التيار عدواً وهمياً.. كما صنع عدواً مفتعلاً في "صهينة" معارضي مشاركة باسيل في دافوس، كامتداد لصناعة عدو "صهيوني" في الإعلامية غامبل التي قالت إنّها تلقت عدداً كبيراً من الرسائل الرافضة لأن يمثّل باسيل لبنان في مؤتمر دافوس، باعتباره "جزءاً من الحكومة التي عزّزت الفساد في ظلّ استمرار الإحتجاجات ومسلسل العنف ضدّ المتظاهرين، والذي لم تتم الإضاءة عليه في الإعلام الدولي".

في الواقع، يعتاش هذا الإعلام العَونيّ على العداوات. ويعتاش على صورة البطولة التي يسوقها لنفسه، كتيار عصيّ على الكسر، وفي الوقت نفسه ممنوع من تحقيق إنجازات بحكم سلطة الأمر الواقع في الحكومة والكتل السياسية، كما يقول مسؤولوه عندما يُسألون عن فشلهم مثلاً في محاربة الفساد، وهي المعركة التي لا ينفكون يرفعونها شعاراً كلامياً. فالأعداء والنصر، صنوان في الإعلام البرتقالي، مع انهما يرتكزان الى الكثير من الأوهام. لكنهما ضرورة للاستمرار.