الصحافة في مواجهة السلطة وأيتامها

المدن - ميديا
الخميس   2020/01/16
اعتصام الصحافيين والمصورين أمام وزارة الداخلية (علي علوش)
عدا عن التعهّد بمحاسبة المخطئين، في عهد وزير داخلية آخر سيخلفها في الوزارة، لم تقدم وزير الداخلية ريا الحسن ما يطمئن الصحافيين حين انضمت اليهم أمام وزارة الداخلية، نافية اصدار أي تعليمات مباشرة أطلقت أيدي القوى الأمنية في مواجهة الناس والصحافيين الذين تعرضوا لاعتداءات خلال تغطية المواجهات أمام ثكنة الحلو.


اضطرت الحسن، تحت ضغط الصحافيين، للقائهم في الشارع، كما طلبوا. قبل ذلك، أرسلت مستشارها العميد فارس فارس الذي استمع الى مطالب الزملاء المحتجين، واطلع على ما وثقوه من اعتداءات عليهم، ونقل هواجسهم الى الوزيرة الحسن، كما نقل رغبتهم بلقائها.

نزلت الوزيرة الحسن اليهم، وتحدثت مجيبة عن اسئلتهم، لكنها لم تقدم لهم دليلاً كافياً على معاقبة المتورطين بالاعتداء عليهم. بواقعية، قالت انها تغادر وزارتها غداً الجمعة، وبالتالي تلك مسؤولية الوزير الجديد، مع انها أكدت أن هناك آلية للمحاسبة ستنفّذ.. ولم يسفر اللقاء عن تعهد واضح وحاسم بعدم التعرض للاعلاميين، وهو ما يطالب به الزملاء الذي اختبروا السحل والضرب والشتيمة أثناء تغطية المواجهة.

والوقفة الاحتجاجية التي دعا اليها "تجمع نقابة الصحافة البديلة"، حشدت عدداً كبيراً من الصحافيين الذين طالبوا بانتزاع تعهد بعدم التعرض لهم. برأيهم، هو تحرك ناجح، لجهة التصريحات التي ادلت بها الوزيرة الحسن.. وناجح لأنه أظهر أنهم يمتلكون القدرة على انتزاع حقوقهم، من غير جهة نقابية لا تقاسمهم الوجع. وكشف في الوقت نفسه عن الهوة بين نقابات الجسم الصحافي "الرسمية"، والزملاء الصحافيين.



في الشكل، وقف نقيب الصحافة عوني الكعكي الى جانب الوزيرة، ولم يكن من جهة الصحافيين. فهو لا يعرف القسم الاكبر منهم، واختار موقعاً ملتصقاً بالسلطة. لم يعرفه بعض الزملاء. لم يُدلِ بكلمة، على الاقل امام الكاميرات، ولم يخاطب صحافياً بهواجسه. كان الحريّ به أن ينقل شجون الصحافيين الذين يفترض أنه يمثلهم، وهو أقل الممكن. عوضاً عند ذلك، بدا الكعكي واحداً من أيتام السلطة، نقيباً منزوع النفوذ. فالسلطة حائرة بعد الاعتداءات على الصحافيين، والصحافيون لا يعترفون به.

على عكسه، لم يجد الصحافيون أنفسهم كالأيتام. قوة الحشد التي تُعدّ بالعشرات، أظهر ان هناك بدائل مطلبية عن نقيب اختار الوقوف إلى جانب السلطة، حتى لو كان المعتدون عليهم ممن أن يكونوا مؤتمرين من تلك السلطة. الصحافيون هنا لم يعودوا أيتام المهنة. يمتلكون قدرة على التأثير والحشد، بمعزل عن نقابة لم تقبل طلبات انتساب كثر منهم.

وقالت الحسن عند لقائها الصحافيين: "أتحمل المسؤولية كوني على رأس الهرم ولكنني لم أصدر أي قرار بهذا الخصوص"، مشددة على ان "هناك آلية للمحاسبة ومن اقترف أي خطأ سيحاسب". وأضافت الحسن: "نحن نعيش في حالة صعبة جداً وما حصل بالأمس لا يجوز أن يمر مرور الكرام.. لكن هل سأل أحد ما هو عدد الجرحى في صفوف قوى الأمن؟"

وكانت الحسن غردت عبر حسابها في"تويتر" قائلة: "اي اعتداء على الإعلاميين مرفوض ومدان ومستنكر.. أعلن تضامني مع السلطة الرابعة كونها صوت الناس الموجوعة المقهورة، كما أوكد ان عناصر قوى الأمن والمتظاهرين السلميين هم جزء من هذا المجتمع.. وما حصل بالأمس هو الاستثناء وليس القاعدة"، لافتة الى انها "اتصلت بنقيب المحررين جوزف قصيفي وأكدت له موقفي الرافض للاعتداء على الاعلاميين والمصورين، كما اكدت له ان هذا الموضوع أخذ مساره في المساءلة والمحاسبة".

واستنكرت نقابة المصورين الصحافيين الاعتداءات بالضرب وتكسير المعدات التي طاولت عدداً كبيراً من الزملاء بالأمس، واعتبروها غير مبررة ومستهجنة "خصوصاً أنها أتت من قبل من يفترض به حمايتنا، لا الاعتداء علينا، وهو عمل مرفوض ومدان مهما كانت الاسباب". وأكدت "اننا نقوم بواجبنا المهني الذي يكفله الدستور والقانون في لبنان وكل العالم".

ولفتت النقابة إلى انها "أجرت الاتصالات مع المسؤولين"، وناشدت وزيرة الداخلية ومدير عام قوى الامن الداخلي متابعة ما حصل "من أجل اتخاذ كل الاجراءات المطلوبة لحمايتنا ووقف الاعتداء علينا وفتح تحقيق واتخاذ الاجراءات المناسبة".

ولاحقاً، استقبلت الحسن في مكتبها، وفداً من نقابة المصورين الصحافيين في لبنان برئاسة النقيب عزيز طاهر، وتم البحث في ما تعرض له المصورون امس، اثناء تغطيتهم للاحداث والتطورات الأمنية أمام ثكنة الحلو. وأكدت الحسن ان "ما تعرض له الاعلاميون مرفوض بكل المعايير الانسانية والاخلاقية"، مثنية على دورهم في "نقل الصورة الحقيقية للمواطنين والمشاهدين وتعريض انفسهم لشتى انواع المشقات لإيصال هذا العمل النبيل الى المشاهد اللبناني والعالمي".

وأشارت الى ان "العناصر الأمنية يبلون بلاء حسنا في التعاطي مع المتظاهرين منذ ثلاثة اشهر وحتى اليوم، ولا يجوز ان يتعرضوا للتعديات والشتائم والسباب ورمي الحجارة والحديد"، مؤكدة على "دورهم الوطني في حفظ الأمن وسلامة المواطنين"، رافضة "التعديات التي حصلت على الممتلكات العامة والخاصة والتي تؤثر في الحركة الاقتصادية والمالية المتصدعة والتي تحتاج الى المعالجات الجذرية للإنقاذ". كما استنكرت مجدداً "الاعتداءات التي طاولت عناصر قوى الامن الداخلي والتي أدت الى اصابة نحو 100 عنصر في يومين فقط".

من جهته، أوضح المدير العام لقوى الأمن الداخلي، اللواء عماد عثمان، خلال مؤتمر صحافي عقده في المقر العام بالأشرفية، أن "عنصر قوى الأمن يعاني يومياً خلال 90 يوماً في الشارع، ويتعرض يومياً لشتى أنواع الممارسات القاسية".

وقال: "أتوجه باعتذاري الشديد من الصحافيين والمراسلين الذين كانوا يغطون بالأمس، وعند تعرض أحد المصورين للإصابة اتصلت به وتضامنت معه، تماماً كما تضامنت مع عناصر قوى الأمن المصابين".

وسأل: "هل يرضى أحد من المراسلين والاعلاميين أن تُشتم أمه أو أخته أو أن ترمى عليه الحجارة؟ نحن نمارس عملنا لحماية الوطن، فهل تريدوننا أن ننسحب من دورنا؟".

وتابع: "أعرف المعاناة التي يعيشها الإعلامي في الشارع، وهي مثل معاناتنا نحن منذ 90 يوماً. هناك 600 مركز لقوى الأمن تقوم بدورها، نحن لا نقصّر في واجباتنا، ومنذ 90 يوماً نقف وقفة عز وكرامة، ولن نسمح لأحد بالتعدي علينا".  وأردف: "نحن لا نتعدى على صلاحيات القضاء الذي تعود له الكلمة الفصل في عملية التوقيف أو الإطلاق".