"حزب الله" وملف العملاء: تهريب فتسريب..لتفعيل "قواعد الاشتباك"

نذير رضا
السبت   2019/09/14
تسريبات "حزب الله" الاعلامية شكلت ضغطاً شعبياً وسياسياً لمنع تطبيع العودة دون المرور بالقنوات القضائية
لا تقتصر قواعد اشتباك "حزب الله" على الصراع العسكري مع اسرائيل. ثمة ملفات مرتبطة بها، يتبع الحزب فيها الآلية نفسها، ولو أن المقاربات غير عسكرية. فملف العملاء، يخضع لقواعد اشتباك لا يبدو أنه يسمح بخرقها، تلك القائمة على اتفاقات في الداخل اللبناني حيال الملف، وتتلخص بالمرور الحتمي في القضاء. 
وُضِعت تلك القواعد خلال اجراءين قانونيين ملزمين، له وللأطراف اللبنانية الاخرى، وتحديداً "التيار الوطني الحر"، ضمن اطار تفاهم مار مخايل في 2006 الذي ينص في بنده السادس على ان "حل مشكلة اللبنانيين الموجودين لدى إسرائيل يتطلّب عملاً حثيثاً من أجل عودتهم الى وطنهم آخذين بعين الاعتبار كل الظروف السياسية والأمنية والمعيشية المحيطة بالموضوع". 

وايضاح مسألة الظروف السياسية والأمنية والمعيشية، تمت في القانون الرقم 194 الصادر بتاريخ 18-11-2011 في البرلمان اللبناني الذي يتناول معالجة أوضاع المواطنين اللبنانيين الذين لجأوا إلى إسرائيل. ونص على أن "يخضع المواطنون اللبنانيون من ميليشيا جيش لبنان الجنوبي الذين فروا إلى الأراضي المحتلة في أي حين للمحاكمة العادلة... ويلقى القبض عليهم عند نقطة العبور من الأراضي المحتلة ويسلَّمون إلى وحدات الجيش اللبناني".

غير أنه، منذ اقرار القانون، لم يعد الى لبنان سوى العشرات، وجلهم من عائلات الفارين الذين يلحظ القانون نفسه وضعهم، وينص على انه "يُسمح لهم بالعودة إلى لبنان ضمن آليات تطبيقية تحدَّد بمراسيم صادرة عن مجلس الوزراء، دون أي قيد أو شرط سوى تسجيل أسمائهم لدى وحدات الجيش اللبناني الموجودة عند نقطة العبور التي يسلكونها في أثناء عودتهم من الأراضي المحتلة". 

ويحجم المتعاملون مع اسرائيل، وأفراد "جيش لبنان الجنوبي"، عن العودة، بسبب رفضهم المرور بالقنوات الأمنية والقضائية التي يفرضها القانون اللبناني. وهي معضلة دفعت بعض السياسيين خلال السنوات الماضية الى الدعوة للنظر في هذا الإجراء القانوني أو تعديله. 

ورغم أنه لم تسجل أي حالة خرق للقانون خلال السنوات الماضية، جاء ملف عامر الفاخوري ليكسر "قواعد الاشتباك" القانونية التي يلزم بها "حزب الله" سائر الأطراف في الدولة، السياسية والإدارية. خرق، لم تتبنَّه أي جهة سياسية أو أمنية في البلاد. تبرأ الجميع من دعوة الفاخوري، أو تسهيل مروره، أو دعوته للعودة بعد انقضاء محكوميته. وبقي الملف الأمني الصرف، محجوبة وقائعه عن الرأي العام، فانشغل الاعلام بالتحليل وطرح الاسئلة التي لا إجابة عليها. وليس المطلوب أصلاً الإجابة عنها، بالنظر الى أن الأهم الآن، هو التعامل مع الملف إعلامياً بما يشكل ردعاً لتجاوز القواعد المتفق عليها. 

تبنى إعلام الحزب هذه المقاربة، وشكل، خلال يومين، آلية ضغط إعلامي حركت الشارع أمام المحكمة العسكرية، وأيقظت السياسيين الذين تبرّأوا ورفضوا ووضعوا الملف في عهدة القضاء. تدرجت الاستجابة من الانتفاض على فعل "التهريب" بمرور الفاخوري من مطار بيروت الى الداخل، عبر "تسريب" الواقعة في جريدة "الأخبار"، والتحرك في مواقع التواصل الاجتماعي. 

غير ان مجرد التسريب الذي اعتبر بمثابة إخبار للأجهزة الأمنية والقضاء اللبناني، لا يمكن أن يشكل ضغطاً كافياً لتعامل استباقي مع محاولة تطبيع عودة الفارين من غير المرور بالقنوات القضائية التي يفرض القانون المرور بها. فجاء التسريب الثاني، الأشدّ وقعاً، عندما تحدثت "المنار" عن لائحة تضم 60 اسماً جرت تسوية أوضاعهم القانونية. وهو تحرك، يظهر أن الحزب ينظر الى الملف على انه تطبيع لعودة من خارج "قواعد الاشتباك" او "قواعد الاتفاقات" المعمول بها. فشكل ضغطاً اضافياً تبنّته قناة "الجديد" في نشرتها المسائية مساء الجمعة، عبر تقرير يعرض لائحة الأسماء الستين. 

والحال، إن الجزء الأكبر من الضغط، سار في قنوات الإعلام، التقليدي منه والالكتروني. فالإجراءات الأخرى، اتُّخذت على ضوء الخرق الإعلامي الذي حصل، وأريد منه إعادة تثبيت قواعد الاتفاقات المعمول بها. فالحزب، حتماً، لا يستطيع تبرير عودة فار متورط بالدم أو التعذيب، أمام جمهوره وبيئته، من غير المرور بالقضاء، حتى لو لحظت "المحاكمة العادلة" كل "الظروف السياسية والمعيشية" التي كانت سائدة في تلك الحقبة. وما كانت قواعد الاشتباك لتتفعل، لولا التسريب، رداً على التهريب، عبر القنوات الإعلامية.