زهراء قبيسي.. أيقونة جمهور المظلومية

نور الهاشم
الإثنين   2019/12/09
الجَلد الذي تعرضت له الصبية زهراء قبيسي، بسبب ابتسامتها وتفاؤلها، أحالها الى ايقونة في نظر شريحة كبيرة من اللبنانيي،ن تلتقي على قضايا حياتية، بما يتخطى المواقف السياسية أو الانتماء الديني.


لم تقل زهراء عاطلاً. لم تحرّض، لم تعتدِ، لم تقتل، لم تهز الأمن القومي، ولم تستفز مشاعر اللبنانيين. عبّرت عن قناعتها بأن ما نمرّ به هو تحدٍ اقتصادي، وليس أزمة، ويمكن لهذا الجيل الشاب أن يبتكر الحلول ولا يستسلم.


وزهراء، اختارت التعبير عن الأزمة الراهنة، بالتفاؤل. لم تخلُ صورة من صورها خلال ظهورها في قناة "المنار"، أو في متجرها الجديد الذي افتتحته في النبطية، من دون ابتسامة. هكذا تواجه التحديات، وهذا حقها. وليس من حق منتقديها أن يمنعوا عنها هذا القرار بالتفاؤل. ولولا هذا النقد غير المبرر، لما تحولت زهراء الى ايقونة.

والحال انها تحولت الى محور انقسام بين مدافع عن حقها، وبين منتقص له. انقسام أحيا الانقسامات والاتهامات بين جمهورين على محورين. فمن هاجمها، اختار التنمّر على لباسها، كونها ظهرت في عباءة سوداء، وهو زيّ تقليدي لدى المتدينين من الشيعة، وغالباً ما ترتديه نساء من بيئة "حزب الله" المتدينة. وهو ما أثار ردوداً حَوَّلت النقاش الى نقاش سياسي.

فمن ضمن مرافعات الدفاع، قال البعض ان انتقادها يعود فقط الى انها متديّنة، او ترتدي العباءة السوداء. وقال آخرون ان انتقادها، بسبب ظهورها في قناة "المنار". فيما تحدث آخرون عن رغبة لدى "الجمهور الآخر" بالانتقاص من قدرات الطرف القريب من "حزب الله"، بغرض تكريس "صورة متخيلة" عن الحزب بأنه أسير الأدلجة ونقيض الانفتاح والتطور.

يستدل هؤلاء في حكمهم الى مهارات ومبادرات زهراء نفسها. فهي مدرّسة لمادة الموسيقى، طُردت من عملها، فافتتحت متجراً لبيع الأصناف الغذائية الصحية في النبطية، وبينها المناقيش، وتجتهد في مشروعها للحفاظ على البيئة، عبر فرز النفايات من المصدر.


وتصورات الاسباب الدافعة للحكم على زهراء، تعود الى نظرية مؤامرة دائمة لدى بعض هذا الجمهور الذي يرى أن الآخر ينظر اليه على أنه "مختلف".

قد تكون هناك جزئية من هذه الصورة صحيحة، لكن مجرد الحديث عن هذه الصورة بوصفها حقيقة غير قابلة للدحض، يساهم في تكريس الاعتقاد بأن هناك مؤامرة فعلاً، وبأن هناك آخر يعتبرها بيئة رافضة للحياة.

والحال إن الصورة التي ظهرت فيها زهراء قبيسي، كافية لدحض فكرة الانعزال أو رفض الحياة. وكافية للاثبات بأن معتنقي هذه الهوية الاجتماعية، هم جزء من مجتمع، يفكر في المستقبل، متفائل، ولا تعوقه هويته الدينية من أن يكون مواطناً صالحاً وعاملاً للمساهمة في إيجاد حلول بيئية. ولا تعوقه عن أن يكون متفائلاً بمستقبله، ويمتلك الدوافع لمواجهة التحديات وربما الحلول لها.

فالانتقاد الذي وُجّه لقبيسي، ليس عاماً، ولا داعي لتعميم خطاب المظلومية الاجتماعية، خصوصاً أن مبادرة قبيسي، حازت مستوى واسعاً من التأييد، وحظيت بثناء لابتسامتها وتفاؤلها.

غير ان الغوص في تعليقات تدين ضحكتها، أو تتنمّر على زيّها الديني، وهي مدانة بجميع الأحوال جملة وتفصيلاً، تدلل على أن بعض هذا الجمهور يسعى لصناعة أيقونة، وزهراء في هذه الحال هي واحدة من أفضلها، سواء بخطاب مظلومية أم من دونه.