فداء عيتاني في خيمة "الملتقى":أرادوني عبرة لمن لا يعتبر

بتول خليل
الخميس   2019/12/05
التجربة الخاصة والمراحل المهنية التي مرّ بها الصحافي فداء عيتاني، ساهمت بشكل رئيسي ببلورة مواقفه من الصحافة وطريقة عملها في لبنان ومواطن الخلل فيها، والسير في سبل إصلاحها، ضمن رؤية متكاملة استعرضها في النقاش الذي جرى في خيمة "ملتقى التأثير المدني" في ساحة رياض الصلح، ضمن ندوة حملت عنوان "الصحافة في زمن الثورة: قضية فداء عيتاني".


عيتاني المطارد من السلطة أطلّ من "منفاه" في اسكتلندا عبر "سكايب"، بعدما شكّلت قضيته مدخلاً لطرح مجموعة من الأسئلة الجذرية والضرورية، سيما أنّ معاناته مع السلطة تختزل مجموعة من مطالب الثورة لناحية المسّ بالحريات ونزاهة القضاء واستسابيته وطواعيته للعهد الحالي. خصوصاً أنه لوحق قضائياً، لا شيء، إلا لكشفه بعض المستور من ممارسات السلطة وفسادها وترهيبها الممنهج، ما حدا به لترك لبنان تحت وطأة جملة من الضغوط التي تعرّض إليها جرّاء تحيّزه للحقيقة وعدم قبوله بالرضوخ والاستزلام للسلطة وزبانيتها، مفضلاً انحيازه للحرية التي يمليها عمله الصحافي، ما جعل منه الصحافي المُبعد الأبرز الذي دفع ثمن مواجهة صهر الرئيس وعهده القوي.

الندوة التي أدار النقاش فيها الصحافي والأستاذ الجامعي، مكرم رباح، تجلّى فيها مستوى عالٍ من النضوج والوعي، سواء لناحية تقديم صورة متكاملة الأفكار والمحاور، أو من خلال التوزيع الناجح للأدوار والمداخلات، الأمر الذي انعكس إيجاباً على انسيابية الحوار وعرض الاشكاليات والأفكار والآراء الشخصية بعيداً من الاستعراض أو المبالغة المنفّرة. في حين بدا جلياً أن عيتاني، ومن خلال حديثه ومجموعة النقاط التي سلّط الضوء عليها، قد ساهم بإعلاء مستوى النقاش في الندوة، والذي تميّز بالجرأة والوضوح والشفافية.

عيتاني الذي كانت له مداخلات في محاور عديدة من النقاش، صوّب على الفساد الضارب في جذور المهنة، معتبراً أنّ "الصحافة في لبنان هي ما أفسد المهن، بعد القضاء"، حيث أنّ نسبة كبيرة من الصحافيين يتقاضون راتباً ثانياً من خلال تواجد أسمائهم في لوائح الدفع التابعة لأحزاب وجهات سياسية، عدا عن غرقهم في الرشى والهدايا، ناهيك عن كون الصحافيين الموالين لإدارة المؤسسات التي يعملون فيها، أو أصحاب السطوة فيها، يمارسون سلطتهم داخل المؤسسة نفسها على زملائهم الأقل حظوة، ما يجعل الحديث عن إعادة تشكيل الجسم الصحافي، من خلال نقابة بديلة للمحررين والصحافيين في ظل هذا الفساد، يستوجب الإشارة إلى أنه "عملية فرز تحتاج لوقت طويل كي تحقق هدفها ضمن مسار قاسِ وشرس".

ولم يستثن عيتاني في هذا السياق الحديث عن أهمية دور الصحافي في الوقت الراهن في كشف الفساد والمفسدين. ولعلّ كلامه هذا كان من أبرز ما جاء في الندوة، كونه يُشكّل الوقود الأساس الذي تحتاجه الثورة التائقة إلى محاكمة الفاسدين وفضحهم، ما يوضح خريطة الطريق ويُساهم في الفرز بين النظيف والمرتكب، وبين من يجدر التصويب عليه والمطالبة بخلعه، واسترجاع ما نهبه من مال. ورغم أنّ "وسائل الإعلام المحلية لن تستطيع تمثيل الثورة كما يجب، خصوصاً وأن إعلام الـMainstream معادٍ في معظمه للتغيير، إلا أن الوسائط الحديثة من مدونات ومواقع تواصل غير قادرة هي الأخرى على أن تعبّر عن الثورة بالشكل المطلوب، أو أن تشكّل رديفاً فعلياً وحقيقاً لهذه الثورة، بما يعني الصحافة الاحترافية كسلطة فعلية في البلد، تأخذ بوجهات نظر الناس ومصالحهم وتكشف خبايا السلطة، لأننا كصحافيين علينا أن نكون عين الناس في المكان الذي لا تصل أعينهم إليه"، يقول عيتاني.

لكن عيتاني، الذي روى محطات من تجربته الاعلامية عقب استقالته من صحيفة "الأخبار" بعدما "خرجت من إطار التنازع الطائفي المحلي وتورطت في تغطية المقتلة في سوريا"، بحسبه، واجه السلطة بانتهاكاتها وفسادها من دون الحاجة إلى منصة إعلامية تقليدية، إذ كان يكفي أن ينشر فداء عيتاني في مدونته الالكترونية، وهو الذي يملك الشجاعة والمصادر الخاصة والمصداقية لتقديم مادة إعلامية احترافية واستقصائية، تماماً كما فعل في قضية الممثل زياد عيتاني وغيرها من القضايا، بحسب رباح.

تحدّي تحرر الصحافي من مؤسسته الاعلامية التقليدية وإدراكه مدى صعوبة أن يكون إنساناً حراً داخل المؤسسة، دفعا عيتاني إلى القول إنه بات على يقين بأنّ العودة إلى المهنة كموظف أو بشكل دائم هي عودة مستحيلة، طالما "أنني لم أعد قادراً على الالتزام بالتسوية التي تحدد متى أتكلم ومتى أصمت"، مشيراً إلى أنّه بعد تولي الرئيس ميشال عون سدّة الرئاسة صدرت بحقه 9 دعاوى قضائية، كانت آخرها دعوى ضدّه من جهاز أمن الدولة، الذي يستهدفه تحت شعار "فليكن عبرة لمن لا يعتبر".

وفي مداخلة للمسؤول الإعلامي في مؤسسة "ٍسمير قصير"، جاد شحرور، كشف عن رقم غير مسبوق في لبنان، تمثل في 352 انتهاك إعلامي وثقافي منذ تولي ميشال عون رئاسة الجمهورية، في حين تخطّى العدد 60 انتهاكاً ضد الصحافيين منذ بداية الثورة في 17 تشرين الاول، تمثلت في الضرب وتكسير الكاميرات والاعتقالات والتحقيقات.

وفي حين أنّ الشارع قرر رفع سقف الحريات، فإنّ العودة إلى الوراء باتت مرفوضة بشكل قاطع، يضيف شحرور، مشيراً إلى أنّ الدولة تحاول اليوم، بكل أدواتها، أنّ تضرب هذا الهدف، فيما يمكن قطع الطريق عليها من خلال إصرارنا على التعبير عن رأينا ونشر المعلومات التي نعرفها حول أي ملف مرتبط بالفساد، وممارسة حقنا في المساءلة والنقد إلى أقصى الحدود. الأمر الذي يضعه الصحافي سلمان العندراي في إطار "كسر الخطوط الحمر"، وأشار في مداخلة خلال الندوة، إلى ضرورة التصدّي اليوم إلى كلّ محاولات القمع والترهيب، ليس من قبل السلطة فقط، بل أيضاً من الإعلام والصحافيين الموالين لها، الذي حشدوا جهودهم مؤخراً من أجل تخوين المتظاهرين وتشويه انتفاضتهم، والتأثير على الرأي العام من خلال تكريس الحدود والخطوط الحمر المرتبطة بالقضاء والأمن والسياسة.

وبالإضافة إلى ذلك، فإنّ الجزء الأهم من صراعنا هو التصدّي لمثقفي البلاط، بحسب رأي مكرم رباح، قبل إيجاد السبل الملائمة لمواجهتها كما يجب". في حين يرى المخرج والباحث النفسي، رفيق حنا، أنّ أولوية العمل اليوم تتمثل في القضاء على تجريم الرأي والتصدي للفبركات والتلفيقات والتحقيقات مع الصحافيين، ودفع الأفراد للتعبير عن رأيهم والضغط على السلطة ووسائل الإعلام لاحترام هذا الرأي.