..والشامت في المنتحرين وأهلهم، ماذا يُقال له؟

نور الهاشم
الأربعاء   2019/12/04
تزداد الخشية اليوم من أن يتحول شهداء الأزمات الاقتصادية والمالية الى مجرد أرقام، تُحصيهم وسائل الإعلام، وتقدم الأجهزة الأمنية إفادات بالتحقيقات عنهم، من غير أن يتحرك اللبنانيون لإنقاذ شعب يدفع ثمن سلطة أمعنت في الفساد، وأوصلت الى البلاد إلى حافة الانهيار. 

يشاهد اللبنانيون تلك المَشاهد ويتأسون. يغضبون. يرفعون الصوت بوجه سلطة جائرة أمعنت في الاستحواذ على مقدرات البلد، حتى تركت الفقراء يصارعون الموت، بقرارهم أو غصباً عنهم، لا فرق. الجميع يصارع الموت اليوم، بحزن، في قرار غير مسموحة مناقشة حلّه من حُرمِه، وشجاعته من جبنه، وصوابه من خطئه.

ثمة سلطة ستقتل الناس. بالأحرى، بدأت بقتلهم. بدفعهم نحو وضع حد لمآسٍ كثيرة. الصورة اليوم لا توجد في القصر الجمهوري، ولا الحكومي، ولا بينات رؤساء الحكومات السابقين والقصر الجمهوري ووزراء القصور. الصورة في أم تُدمي القلوب، "شحّرت نفسها" بالمعنى الحرفي، وتبكي ابنها في برج حمود: "من وين بدو يجب 3 ملايين ليرة يطالبونه بها؟ وهو نص معاش.. من وين بدو يطعمي ولادي، ويصرف على إمو وبيو".

وتضيف: "انزلوا على الشوارع. احرقوا المؤسسات. احرقوها كرمال ابني.. لأن أنا بدي احرقها. أنا رايحة على الشوارع احرقها، لأنو ابني احترق ومات. تقوص قدام عيوني. انفجر راسه أمامي. وضعته على صدري وعيونه وانفه يقعون بين يدي...".

#داني_ابو_حيدر شهيد جديد يضاف الى لائحة شهداء البلاد. شهيد رغيفه. شهيد عائلته. شهيد ثورة لم تنتهِ، ولن تستكين قبل أن تعيد اليه حياة رغب في اتمامها. هو ليس رقماً في مسيرة ضحايا الفساد وضحايا التناتش السياسي. ولن يكون. مثله مثل ناجي الفليطي، وأنطونيو طنوس الذي عثر عليه اليوم جثة، في حقل في خراج بلدة سفينة الدريب والى جانبه مسدسه الاميري.

تتداعى الأخبار، ويهرع الإعلام لالتقاط سكوب من مأتم الموجوعين. يسأل كثيرون عن خصوصية الناس في تلك اللحظات. ويدعون الإعلام للابتعاد.


في خضم هذا المشهد القاتم الذي تم التعبير عنه في مواقع التواصل، قافلة من الشهداء تكبر، ومازال هناك تافهون يشككون، ويتبارون بالسخرية من ضحايا القتل الاجتماعي. يسخرون من الانتحار، والمنتحرين و"ضعفهم". ثمة مازوشية رهيبة، يتلذذون بالدم، ويضحكون، وهم ليسوا بكائنات بشرية، وليسوا لبنانيين.