"حروب الغاز" ليست جديدة.. بدليل "عملية الليطاني" قبل عقود!

أدهم مناصرة
السبت   2019/12/28
توقيع اتفاق لنقل الغاز الإسرائيلي والقبرصي إلى أوروبا (Getty)
ما دام الإعلام العبري شرع، بعمق أكبر من ذي قبل، في التفسير النفطي والاقتصادي للصراع وحروب المنطقة، واتصالاً بالاحتجاجات الشعبية التي عادت تصدح مجدداً لتعم لبنان والعراق وإيران في الأشهر الأخيرة، فإن الأمور لم تعد أسيرة "البحث الصامت" في أروقة المطبخ الإستراتيجي والأمني في إسرائيل، بل باتت مكشوفة أكثر، بما في ذلك تحالفاتها النفطية والغازية.

وربما كان ذلك واضحاً في مقال بعنوان "حروب النفط والغاز الجديدة في الشرق الأوسط"، كتبه المحلل العسكري لصحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، رون بن يشاي، الخميس، فسر فيه دوافع الحروب والتحالفات الجديدة في المنطقة، ضمن سياق تقييمه بأن "نفط الشرق الأوسط لم يعد حيوياً جداً بالنسبة إلى الاقتصاد العالمي"، معللاً تراجع أهمية النفط الخليجي وحتى الفارسي، بالقول أن الولايات المتحدة أصبحت مستقلة من ناحية الطاقة، في أعقاب ازدياد استغلال حقول النفط الكبيرة في آلاسكا، واكتشاف أساليب جديدة لاستخراج النفط. فيما انضمت روسيا إلى لائحة الدول العظمى المنتجة للنفط، وازداد استخدامها للطاقة المتجددة.

بعدها، أخذ بن يشاي يقرب المجهر أكثر على صراعات النفط والغاز في المنطقة، حينما تحدث عن ثلاث ساحات لهذه الحروب، تشمل حقولاً ضخمة للغاز مقابل السواحل التي تسيطر عليها إسرائيل، وتلك الخاصة بلبنان، وقبرص، ومصر، وطبعاً تركيا. هذا كله أدى إلى نشوء معسكرين متخاصمين حتميين. لكن بعيداً من تفسيرات الساحتين النفطيتين للحرب اللتين تشكل أطرافها إسرائيل وقبرص ومصر وتركيا، سيتم التركيز على ساحتها الثالثة التي يبدو لبنان وحيداً فيها ولا حلفاء له في معركتها المائية والحدودية مع إسرائيل. وتتحدث الصحافة الإسرائيلية عن هذه الساحة للحرب بكل وضوح، إذ ترتبط بما سمّته "النزاع" بين إسرائيل ولبنان على حدود المياه الاقتصادية.

وكانت "المدن" رصدت قبل أيام كشفاً استخباراتياً إسرائيلياً تلقفه الإعلام العبري حول دوافع "عملية الليطاني" التي نفذها جيش الاحتلال الإسرائيلي في جنوب لبنان العام 1978، تظهر أن رون بن يشاي لم يكن موفقاً ولا دقيقاً بوصف حروب النفط والغاز المستعرة في المنطقة الآن بالجديدة. فالكشف الأخير يظهر أن الأمر بالنسبة لإسرائيل، على الأقل، كان قديماً، فهي هدفت من اجتياحها العسكري للليطاني قبل نحو أربعة عقود، إلى السيطرة على المياه ومناطق برية في لبنان، اعتقدت أنها غنية بالغاز. وهذا يبين أن الغاية الأولى والرئيسية من الحملة العسكرية الإسرائيلية آنذاك، كانت اقتصادية تتجاوز بعدها الأمني.

والحال، أن إسرائيل لا تتحدث عن "الخلاف الحدودي والنزاع على المياه الاقتصادية" مع لبنان بمعزل عن قوى التأثير في بيروت. وخلافاً لما كانت تطمح إلى إبقاء هذا "النزاع" من أجل خلق تداعيات معينة في المشهد السياسي الداخلي في الدولة اللبنانية، فإن تل أبيب أدركت أن هذه الغاية لم تتحقق في هذه الأثناء.

وتخلص أقلامٌ إسرائيلية، على غرار ما ورد في "يديعوت أحرونوت"، إلى استنتاج مفاده "أن ما يثار عن خلافات مائية اقتصادية سيؤدي إلى تعميق الأزمة الحالية عبر تكريس تحالفات". وفي حالة لبنان، تؤكد القراءات الإعلامية أن محاولات الولايات المتحدة التوسط بين بيروت وتل أبيب بشأن المياه الاقتصادية، لم تؤد إلى نتيجة حتى اللحظة وربما لن تؤدي، في إشارة إلى أن الدولة العبرية نفسها تريد استمرار "النزاع".

في السياق، حاولت الصحافة العبرية أن تستخدم مصطلحات تضفي شرعية على السيطرة الإسرائيلية، من قبيل "النزاع بين لبنان وإسرائيل على المياه الإقتصادية"، أو الإكثار في وسم الحقوق المائية اللبنانية بأنها "ادعاءات"، فيقول محلل "يديعوت أحرونوت" العسكري رون بن يشاي: "إن اللبنانيين يدعون أن جزءاً لا بأس به من المياه الاقتصادية التي يوجد فيها حقل لفياثان الإسرائيلي، وحقل أفروديت القبرصي هو ملك لهم".

كما يغلف بن يشاي مطامع إسرائيل المائية والاقتصادية في الحالة اللبنانية، عبر زعمه ضمناً، أن "إسرائيل في وضع دفاعي لا هجومي"، بسرده لمخاوف أمنية من استهداف "حزب الله" لحقول النفط الإسرائيلية بصواريخ بر-بحر إيرانية وربما أيضاً صواريخ من إنتاج روسي، قادرة على ضرب منصات الغاز والحفر في "لفياثان"، و"كاريش"، وربما "تمار". وهي ترجمة لتهديد سابق من أمينه العام حسن نصر الله "إذا سرقت إسرائيل غاز لبنان من عمق مياهه".

وتقول إسرائيل بصراحة أنها تأخذ التهديدات بمنتهى الجدية. لذلك استدعت أربع سفن كبيرة، هدفها الأساسي هو "الدفاع عن حوض منصات الغاز الإسرائيلية في مواجهة هجمات من البحر والجو". ورغم ذلك، يعتبر ما ذهبت إليه صحيفة "يديعوت أحرونوت" في مقالها، الأكثر وضوحاً بشأن دوافع ومقاربات الصراعات والتحالفات الجارية حالياً في المنطقة، غير أنه بالتأكيد ليس "الإشارة الأولى"، بل تهتم مقالات إسرائيلية على الدوام، خصوصاً في الأسابيع الأخيرة، إلى جانب قراءات أكاديمية وبحثية وسياسية ومعها أمنية، في مسألة السيطرة على آبار النفط والغاز في مياه المتوسط.

وتعتبر قراءات إسرائيلية أن موضوع "غاز ونفط المتوسط" ليس مهماً لإسرائيل وحدها بقدر ما هو حدث عالمي كبير، فهذا يخلق تحالفات أمنية واقتصادية ستغير موازين المنطقة وسيكون لها تأثيرات سياسية وأمنية. حتى أن ورشة أكاديمية في إسرائيل، سلطت الضوء، قبل يومين، على كلفة وجدوى التدخل التركي في ليبيا لدعم حكومة طرابلس المعترف بها دولياً، حيث طرحت الورشة استنتاجاً زعم أن  مليارات مكعبة من الغاز في مياه ليبيا، يعتبر "ثمناً يبرر التورط بحرب عسكرية"، وفق ادعائها. ولم تُخفِ، في المقابل، عن دعم إسرائيلي ومصري لقوات حفتر تحت هذا العنوان.

والحال، أن تحليل المضامين الإعلامية الإسرائيلية في ما يخص "حرب الغاز والنفط"، تقرّ بأن هذه الأزمة كانت تتأجل من وقت إلى آخر، لكن التحالفات الجديدة بالمنطقة ذات العمق الاقتصادي والسياسي، تزيد احتمالية إشتعال الحرب في أي لحظة. علماً أن إعلام إسرائيل لم ينسَ أن يتحدث عن سوريا أيضاً في سياق حرب النفط. وطبعاً، الأراضي الفلسطينية ليست بمعزل عن ذلك، حيث صرح رئيس الوزراء محمد شتية قبل نحو شهر، للمرة الأولى، عن أسماء الدول التي تتنافس وتتصارع على الغاز الموجود في بحر قطاع غزة، فالقضية في غزة أيضاً ليست أمنية وعسكرية وسياسية فحسب، بل "مائية إقتصادية" أيضاً.

لا شك، أن الأزمات الاقتصادية التي تعصف بالدول العربية وأدت إلى خروج احتجاجات شعبية ضد المنظومة الحاكمة، خصوصاً في لبنان، باعتبار أن فسادها دمرها اقتصادياً، من شأنها أن تدفع الحكومات في هذه الدول إلى فتح ملف "الحقوق المائية الاقتصادية" من أوسع الأبواب، وذلك من منطلق البحث عن مصادر رزق جديدة هرباً من الانهيار. إلا أن السؤال الأبرز الذي يطرح نفسه هو: هل يقود ذلك إلى اندلاع "حلول الغاز" أم "حروب الغاز" والتي تكرسها تحالفات جديدة؟!

ويجب القول أنه في حال لم يتم التوصل إلى اتفاق دولي جديد من شأنه أن يعيد ترسيم الحدود والحقوق المائية الإقتصادية، فإن خطر الحرب يلوح في أفق منطقة الشرق الأوسط، آجلاً أم عاجلاً، وفق ما يتم رصده في إعلام إسرائيل، وحتى في مواقع السوشال ميديا.