شروط الغطاء السياسي: عنف مضاد

نور الهاشم
السبت   2019/12/14
المتظاهرون الذين أسعف بعضهم عنصر الأمن المصاب.. كوفئوا بالقنابل المسيلة للدموع
أفرزت المواجهات على جسر الرينغ، عصر اليوم، واقعَين جديدَين، يتمثلان في فرز المتواجدين في الساحات بين متظاهرين ومشاغبين، وفي مهام القوى الأمنية بين مكافحة شغب ومواجهة المحتجين وفض الاعتصامات. 

لم يكن هناك أي لبس في هذه المشهدية التي انكسرت مساء اليوم، على ضوء المواجهات بين القوى الأمنية والمحتجين الذين كانوا يستعدون للتظاهر أمام البرلمان.

ففي الواقعة الأولى، لم يكن هناك أي خلاف على الفرز الذي أظهرته صورة تناقلها رواد مواقع التواصل الاجتماعي، تظهر رجل أمن مُصاباً، يحمله المتظاهرون لنقله الى مكان يستطيع فيه تلقي العلاج، بعد هجوم نفّذته مجموعة من المشاغبين الذين هبطوا من الخندق الغميق الى وسط بيروت، وتصدت لهم قوى مكافحة الشغب، واعتدوا عليها بالمفرقعات والحجارة. 

فقد ثبتت مشهديات التصدي للمشاغبين اليوم، الدور الذي تضطلع به القوى الأمنية. مكافحة الشغب. واجهت المارقين الذين أرهقوا القوى الأمنية في وقت سابق، بجولات كر وفر، لم تستطع مواجهتهم بالقوة لافتقادها الى غطاء سياسي. وهو ما شرّع الاتهامات لها بالعجز عن مواجهة العازمين على التخريب والشغب. وفي الوقت نفسه، واجهت الانتقادات من فريق يحرك المخربين، عندما قررت عدم الصِّدام مع المتظاهرين السلميين، وعدم استخدام القوة المفرطة معهم. 

غير أن التحرك الأمني اليوم، أثبتَ العكس. لا عجز ولا التباس. فقد أوضح التحرك شكل المهمة الموكلة لقوى الأمن لحماية المتظاهرين السلميين في الساحات، ومكافحة الشغب. الشغب الذي هبط من الخندق الغميق الى اللعازارية، وحصدت على إثره ما زرعته حين أفشلت الرهانات على جرّها الى موقع الصدام مع ناشط سلمي، أثبت اليوم أنه رديف القوى الأمنية، ومسعفها، وحاملها الى الأمان. 

هذا الفرز البصري لطبيعة المهمة، انسحب أيضاً على فرز المتواجدين في الساحات، والهابطين اليها. ليس كل لبناني رديفاً لقوى الأمن. ثمة من يرى في قوى الأمن خصماً، في مقابل من يرى فيها سنداً. فكرتان متقابلتان، تؤكدهما صورتان، الأولى تظهر مهمة إسعاف العسكري المصاب، فيما تعززها صورة أخرى تظهر شاباً يشعل إطاراً مطاطياً ويدحرجه في اتجاه القوى الأمنية الموكلة بمهمة منعهم من الاقتراب من متظاهرين سلميين والاعتداء عليهم. 



وفي مقابل شيوع فكرة مسبقة عن أن الشرطيّ خصم لأي متظاهر، تنفي قوى الأمن هذه الفرضية، منعاً لشيوعه. فقد دحضت هذا الاعتقاد برسالة، مقطع فيديو نشرته يبرر لها حكماً استخدام القنابل المسيلة للدموع لتفريق المشاغبين. وتثبت، في البيان الذي نشرته، بأن ما قامت به هو ردّ فعل على فعل. نتيجة لقوة غير مبررة استُخدمت ضدها، وأسفرت عن سقوط جرحى في صفوفها. في ذلك، دحضت فرضية الخصومة مع شريحة من المواطنين، وثبّتت بأن التحرك لا يقوم إلا لحفظ النظام، على سبيل مكافحة الشغب.

وبين الفيديو والبيان، ما زالت صورة المتظاهرين السلميين المسعفين للشرطي، تتصدر مواقع التواصل. فهي كافية وحدها لفرز المواطن عن المشاغب. هي بعثت برسائلها لتأكيد مهامها، والمتظاهرون السلميون يردّون لها الاجابة: نحن في مهمة المؤارزة لثبيت الأمن والسِّلم الأهلي. 

على أن هذه الإجابة، سرعان ما ردت عليها قوى الأمن برسالة أخرى. أكثر قسوة وبطشاً بالمحتجين الذين أسعف بعضهم عنصر الأمن المصاب. فقوى الأمن فضت الاعتصام أمام مجلس النواب بالقوة. ولا تزال، منذ ثلاث ساعات، تستخدم القوة المفرطة. تلاحق المتظاهرين، بالغاز المسيل للدموع وبكثير من العنف، وكأنهم مجرمون أو أعداء في حرب مفتوحة. وهو ما يطرح أسئلة كثيرة، أبرزها عما إذا كان الغطاء السياسي يستوجب التعاطي مع الجميع بالمنطق نفسه؟ وهو السؤال الأكثر إلحاحاً في بلد الانقسام السياسي.