القضاء اللبناني ليس كتلة واحدة.. وهذه فروعه المُنصِفة للإعلاميين

يوسف ضاهر
الخميس   2019/12/12
"القضاء الجالس" برّأ "نداء الوطن": الصحيفة لم تستخدم عبارات قدح وذم وتحقير برئيس الجمهورية
تحوّلت الملاحقات القضائية، التي تطاول إعلاميين ومؤسسات إعلامية وناشطين، سلاحاً فاعلاً في أيدي جهات رسمية وغير رسمية، ضمن حربها على الإعلام الذي يأخذ على عاتقه سبل المواجهة وكشف خفايا الفساد ومرتكبيه.

الجولة الأخيرة من هذه المواجهة، برزت في الاستدعاء المقدّم من جمعية "رسالة حياة" أمام قاضي الأمور المستعجلة في بيروت، وطلبت فيه منع قناتي MTV و"الجديد"، من نشر أي أخبار تتعلّق بالاتهامات المساقة ضدّ مسؤولي هذه الجمعية، كما طلبت وقف حلقة برنامج "بالوكالة" الذي يقدّمه جو معلوف في MTV والذي جرى بثّه الاثنين الماضي، وركّزت حلقته على كشف فصول وخفايا عمليات التعذيب التي تعرّض لها أطفال داخل هذه الجمعية، من تحرّش جنسي بفتيات قاصرات، وشبهات حول بيع أطفال، ومحاولة طمس هذه الارتكابات.

واعتبرت الجمعية المذكورة في استدعائها، أن "الأخبار التي تعتزم الجهة المستدعى بوجهها، بثها ونشرها، تفتقر إلى الصحة، وهي موضع تحقيق أمام النيابة العامة التمييزية، وأمام اتحاد حماية الأحداث"، وذكرت بأن "التحقيقات المتعلقة بالأحداث يضفى عليها طابع السرية ويمنع نشرها".

لكنّ الاعلام ربح المعركة القضائية، بقرار جريء صدر عن قاضية الأمور المستعجلة في بيروت، هالة نجا، التي ردّت هذا الطلب، وأكدت في قرارها أن "سمو حرية التعبير وإبداء الرأي واجب الحفاظ عليها، وهذا يجعل من تدخل قضاء العجلة المسبق لمنع وسيلة إعلامية من تناول مسألة عامة، مشروطاً بتوافر الدليل الحاسم على وجود خطر وشيك مؤكد الحصول، من شأنه التسبب بأضرار جسيمة غير قابلة للتعويض".

وشددت المحكمة في قرارها على أنه "لم يثبت أن المستدعى بوجهها، MTV والجديد، تنوي نشر معطيات تتسم بالخطر، أو أنها ستبرز هويات الأطفال المعنيين بالقضية"، مشيرة إلى أن "حرية التعبير كفلها القانون".

وأمام هذا المعطى، لا بدّ من التمييز بين القضاء الواقف والقضاء الجالس.
فالقضاء الواقف متمثّل في بعض النيابات العامة، والتي تحرّك الدعاوى ضدّ الإعلاميين والصحافيين، ولم يعد خافياً على أحد أن سجلات هذه النيابات العامة تحتوي عشرات الدعاوى على صحافيين، وجرى تأسيسها بناء على مقالات أو تصريحات أو تغريدات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ويجري استدعاء بعض كاتبيها إلى مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية.

أما القضاء الجالس، أي المحاكم التي تُجري المحاكمات وتُصدر الأحكام، فغالباً ما تُنصف الإعلاميين، وتبرئهم من الاتهامات المساقة ضدّهم، لأن هذه المحاكم لم تكوّن قناعة تثبت توافر العناصر الجرمية المدعى بها.

ثمة أمثلة كثيرة على مثل هذه الحالات، لكن أبرزها الحكم الذي أصدرته، قبل أيام، محكمة المطبوعات في بيروت، وقررت فيه كفّ التعقبات عن صحيفة "نداء الوطن" التي جرت محاكمة رئيس تحريرها ومديرها المسؤول، بتهمة تحقير رئيس الجمهورية ميشال عون، والمس بسيادة الدولة، على خلفية "مانشيت" صفحتها الأولى: "أهلاً بكم في جمهورية الخامنئي"، وذلك غداة خطاب ألقاه أمين عام "حزب الله" السيد حسن نصرالله، في ذكرى العاشر من محرّم، وضع فيه نفسه وحزبه ولبنان كلّه بإمرة المرشد الأعلى في ايران، وقال أنه ينتظر أوامره لشنّ الحروب في كلّ الاتجاهات.

واعتبرت المحكمة في حكمها، أن الصحيفة "لم تستعمل عبارات تنمّ عن قدح وذم وتحقير برئيس الجمهورية". وأشارت إلى أن "المقال المشكو منه، تضمن انتقاداً لموقف أمين عام "حزب الله"، وهو ترجمة لصمت أركان الدولة إزاءه، وهي سلطت الضوء على إعلان نصر الله طاعته للمرشد الأعلى الإيراني، بدلاً من أن يعلن طاعته لرئيس الدولة اللبنانية".

لكن، بين ومضات التفاؤل والرهان على القضاء النزيه، يبقى الإعلام اللبناني عرضة للاستهداف، خصوصاً في زمن الثورة. ويبقى الأمل في إحداث تحوّل ما في تاريخ لبنان، طالما أن الإعلام والإعلاميين يشكلون عاملاً مؤثراً في هذا المسار.